حيفا ــ فراس خطيبيواصل فلسطينيو 48 معركة مواجهة تهويد ما بقي من الملامح العربية لفلسطين التاريخية منذ النكبة، إذ شارك المئات من أهالي مدينة يافا، أول من أمس، في اجتماع شعبي على أرض مقبرة طاسو الإسلامية في المدينة، احتجاجاً على مؤامرة اقتطاع 40 دونماً من أرضها، وبيعها لمستثمرين يهود، بزعم أن «لجنة أمناء» عيّنتها الحكومة الإسرائيلية في الماضي قد باعتها إلى جهات إسرائيلية في عام 1973.
وكانت المحكمة الإسرائيلية قد صدّقت على الصفقة في شباط الماضي، ما يستدعي نقل رفات الموتى من المساحة المذكورة. ولا يعترف أهالي المدينة بهذه الصفقة، مشددين على أنَّ لجنة الأمناء «معيّنة إسرائيلياً»، وأرض المقبرة هي «أوقاف إسلامية» لا تشترى ولا تباع.
يذكر أنَّ أرض مقبرة «طاسو» كانت بملكية عائلة طاسو الأرمنية اليافية، التي امتلكت في حينه بيارة في حي أبو كبير. وفي عام 1942، باعت عائلة طاسو الأرض، ومساحتها 82 دونماً، لعائلة أبو خضرة، وحوِّلت البيارة في ما بعد إلى وقف إسلامي بعدما تبرّعت عائلة أبو خضرة بنصف مساحتها، وباعت النصف الآخر للأوقاف.
ويقول الاختصاصي في التاريخ، سامي أبو شحادة، لـ«الأخبار»، «عندما احتلت إسرائيل كل مدينة يافا، وضعت السكان العرب داخل حي العجمي، ووضعت يدها على كل الوقف الإسلامي، من المقابر والمساجد، واستغلّت أراضي المقابر المختلفة لمشاريع إسرائيلية». ويضيف أنَّ الدولة العبرية دنَّست الكثير من المقابر الإسلامية في المدينة، منها مقبرة عبد النبي، وبنَت فندق «هيلتون» على أرضها. ويتابع أن الإسرائيليين جمعوا كل عظام المقبرة في قبر واحد، و«من يدخل فندق هيلتون يستطيع أن يرى تلك الملامح حتى يومنا هذا».
يذكر أنَّ اسرائيل تتعاطى مع الأوقاف الإسلامية بحسب قانون «أموال الغائبين»، وعلى هذا الأساس صادرت غالبية الأوقاف الإسلامية. ويرى أبو شحادة أنه من أجل التحايل أكثر على الفلسطينيين وإكساب القضية «صبغة قانونية»، عيَّنت الدولة العبرية «لجان أمناء» للوقف، أعضاؤها عرب «غالبيتهم مشبوهون، مع خلفيات إجرامية، وعملاء للسلطة، وفاسدون. واستطاعت السلطات من خلال هؤلاء أن تصفّي جزءاً كبيراً من أملاك الوقف الإسلامي».
في عام 1973، باعت لجنة الأمناء في يافا نصف مقبرة طاسو لمستثمرين يهود من أجل البناء على أرض المقبرة، فيما لا يعترف أهالي يافا بالصفقة ويحتجون لعدم تنفيذها. ومنذ العام المذكور، جرى تداول قضية المقبرة في المحاكم الإسرائيلية حتى وصلت إلى المحكمة العليا. وفي قرارها الأخير في شباط 2008، أكدت المحكمة من جديد «قانونية الصفقة»، بحيث يحق للشركة التي اشترت أرض المقبرة أن تبدأ بالعمل فيها، رغم أن عائلات يافوية لها قبور أقرباء في الجزء الذي جرى بيعه، ومعنى القرار أنه يجب تدنيس القبور.
وشارك عدد كبير من النواب والقادة الفلسطينيين في خيمة الاعتصام في المقبرة. وقال رئيس الكتلة البرلمانية للتجمع الوطني الديموقراطي، النائب جمال زحالقة، «إن المكان الوحيد في العالم الذي تعتدي فيه الدولة رسمياً على المقابر هو في إسرائيل»، مضيفاً أن «الاعتداء على المقابر في العالم يكون من جانب عصابات فاشية متطرفة، ولكن في إسرائيل، فإن الدولة نفسها هي التي تقوم بذلك».
وقال رئيس «الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة»، محمد بركة، إن «المعركة على مقبرة طاسو في مدينة يافا، هي معركة من أجل الحياة، ومن أجل تأكيد هوية المكان. إن الشعب الذي يطلق صرخة الحياة من بين القبور هو شعب حي».
وقال رئيس الحركة الإسلامية (الجنوبية)، النائب إبراهيم عبد الله، إن «إسرائيل نجحت إلى حد بعيد في تشريد الغالبية الساحقة من شعبنا الفلسطيني في نكبة 1948، إلا أنها لم تنجح بعد في كسر إرادته وإصراره على استرداد حقه، كما لم تنجح في تمييع هويته الدينية والوطنية والقومية».