ريف دمشق | يومان داميان، هو الوقت الذي استغرقته «جبهة النصرة» لتخسر كل شيء في جنوب دمشق، تحديداً في بلدتي ببيلا وبيت سحم. الرفض لوجود «النصرة» بدأ مع عودتها منذ أسابيع إلى قنص المدنيين والعسكريين على محور بيت سحم ــ طريق المطار، بغية إفشال التسويات التي جرت بين مسلّحي بلدات ببيلا وبيت سحم ويلدا، والجيش السوري، الأمر الذي عبّر أهالي تلك المنطقة عن رفضه بخروجهم في تظاهرة حاشدة يوم الجمعة من الجامع الكبير في بلدة بيت سحم، رافعين مطلب خروج «جبهة النصرة» من الريف الجنوبي، والتمسّك بخيار التسوية.
قابلتهم «الجبهة» بفتح نيرانها عليهم، ما أدّى إلى استشهاد مدني وجرح 10 آخرين. وانتهى مشهد الرفض لـ«النصرة» باشتباكات عنيفة بينها وبين عناصر التسوية أو «لجان الدفاع المحلية»، شملت بلدتي ببيلا وبيت سحم، واستمرت حتى ظهر يوم أمس، وأدت إلى مقتل وجرح العشرات من عناصر «جبهة النصرة»، وتراجعها إلى أطراف ببيلا، حيث حوصر من بقي من عناصرها في كتل سكنية ضيقة بالقرب من مسجد الحذيفة بن اليمان. وفي موازاة ذلك، سلّم زعيم «لواء الأنفال» في «الجيش الحر» ومعه 60 مسلّحاً أنفسهم للجيش، في منطقة مخيم اليرموك، وذلك في إطار اتفاق يقضي بضمّهم إلى «الدفاع الوطني» في منطقة الذيابية، في الريف الجنوبي لدمشق.
يروي مصدر محلي، من بيت سحم، تفاصيل المواجهات لـ«الأخبار»: «بعد حادثة إطلاق جبهة النصرة النار على المتظاهرين، يوم الجمعة، اندلعت اشتباكات متفرقة بين الطرفين في كل من يلدا وببيلا»، ما لبثت أن خفتت حدتها ليل الجمعة. «وفي اليوم التالي، شنّت جبهة النصرة هجوماً مباغتاً على المربع الأمني لمسلّحي شام الرسول (المنضوين في التسوية)، من جهة معبر زليخة التابع لحي التضامن، وتمكنت من أسر زعيم التنظيم بعد قتل مرافقيه». إثر ذلك، عمّت الاشتباكات معظم منطقتي ببيلا وبيت سحم، وخصوصاً في حي البوقية وسط ببيلا، واستمرت لساعات طويلة، لتسفر عن تراجع جبهة النصرة إلى أطراف بلدة ببيلا، بعد سقوط نحو 29 قتيلاً من جبهة النصرة، من بينهم محمد وليد خاوندي، أحد زعماء النصرة، الملقب بأبو رامز بطاطاية. وفيما لم يتسنّ لبعض المجموعات الصغيرة التابعة لـ«النصرة» الانسحاب إلى أطراف ببيلا، فإنها ظلت محاصرة بقوات الدفاع المحلي في مواقع محدودة. ويؤكّد المصدر أن من بين المحاصرين «أمير جبهة النصرة في جنوب دمشق، حسن فوراني»، وأن «مدنيين ووجهاء مخطوفين تستخدمهم جماعات جبهة النصرة المحاصرة كدروع بشرية».
وبالتوازي، شهدت خطوط التماس من جهات التضامن والحجر الأسود ومخيم اليرموك محاولات تسلل من مسلحي «جبهة النصرة» في تلك المناطق إلى البلدتين، لمؤازرة مسلّحيهم المتراجعين، الأمر الذي منعته عملياً الطائرات الحربية للجيش السوري، باستهدافها لنقاط التسلل، إضافة إلى قصفها لمواقع «النصرة» في محيط جامع الحذيفة بن اليمان، فيما أفلح قسم من مسلّحي التنظيم الفارّين من ببيلا بالوصول إلى مخيّم اليرموك. وبعد سيطرة مقاتلي الدفاع المحلي على معظم منطقتي ببيلا وبيت سحم مساء أمس، سادت أجواء أمنية متوترة البلدتين، بسبب استمرار سقوط القذائف الصاروخية التي يطلقها مسلّحو النصرة من المناطق المجاورة، إضافة إلى استمرار حالات القنص عن بعد، والقنص من جهة المجموعات المحاصرة. وأفاد ناشطون معارضون عن «مقتل 4 مدنيين، بينهم طفلان، قضوا قنصاً برصاص جبهة النصرة بالقرب من جامع الإحسان».
ولم تخلُ المواجهات من طارئين على المشهد. فقد دخل مسلّحو «جيش الإسلام» إلى ببيلا، قادمين من أطراف يلدا، لـ«التوسط لوقف الاشتباكات بين الطرفين، وإدارة المفاوضات بينهما»، يقول مصدر مطلع لـ«الأخبار»، الأمر الذي عدّه مقاتلو الدفاع المحلي «محاولة لإنقاذ جبهة النصرة بعد تلقّيها الهزيمة، فلم يفسحوا في المجال للتحاور معهم وواصلوا الاشتباك مع النصرة، ليعود الوسطاء أدراجهم إلى أطراف يلدا».