معاريف ــ بن كاسبيت
سأل المسؤولون الإسرائيليون في الأشهر الأخيرة عن سبب سماح حسن نصر الله لنفسه بالخروج من مخبئه، والظهور أمام الجمهور، وسألوا إن كانت إسرائيل قد تراجعت فعلاً عن عزمها على تصفيته، إلا أنهم تلقَّوا رداً مركباً.
خلال حرب لبنان الثانية، قالوا إن نصر الله هو رمز الحرب، وكان من شأن قتله أن يُعلن انتصاراً (إسرائيلياً) واضحاً فيها. وبعد الحرب أيضاً، بقيت الحاجة الإسرائيلية لتصفيته قائمة. إلا أنه مرّ عام ونصف عام، بل مرّ تقرير فينوغراد أيضاً، وأصبح من الماضي، ولم يعد واضحاً تماماً لماذا يجب القضاء عليه، وخاصة أنه معروف أن عماد مغنية هو الذي سيحل مكانه، وهو أسوأ منه بكثير.
إن كان نصر الله يعمل بتركيز على الدبلوماسية والدين وغيرها من الأمور، فإن مغنية هو صاحب صناعة الموت، ولا يركز إلا على الإرهاب. وبالتالي، فلنبقَ مع نصر الله حتى لا نضطر للحنين إليه. وحالياً، لم يعد مغنية يمارس الإرهاب، لأن الإرهاب وصناعة الموت خطفا روحه، وبالتالي لا يوجد احتمال لأن يرث منصب نصر الله، الأمر الذي يعني أن قتل مغنية قد شق الطريق أمام العودة إلى تصفية حسن نصر الله.
هذا هو وضع الشرق الأوسط، حيث لا معادلات دقيقة، وممارسة الإرهاب تقضي على أدق الحسابات، وحالياً تعمل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية على التركيز والتأهب لامتصاص ردود الفعل الارتدادية، وينتظرون ما سيقوم به حزب الله. لقد استغرقت مطاردة مغنية ثلاثين عاماً، وامتدت إلى قارات ثلاث، وشارك في المطاردة ثلاث دول على الأقل: إسرائيل والولايات المتحدة وفرنسا. ومن الممكن تأليف كتاب سميك يتناول فصول هذه المطاردة، بل إنهم بالفعل ألفوا عنه عدداً غير قليل من الكتب.
تلقت بعثة الموساد في باريس في أواسط الثمانينيات معلومات تفيد بأن مغنية قد وصل إلى العاصمة الفرنسية، وأجرى رئيس البعثة عوزي أراد اتصالات فورية مع نظيره في الاستخبارات الأميركية في تلك المنطقة، تشاك كونمان. التقى الاثنان وقررا تخصيص كل الجهود لإيجاد مغنية: العملاء والمعلومات والاستخبارات وكل ما يصل لليد، وبدأت الملاحقة، إلا أنها سرعان ما تلاشت في مهدها، خلال يوم واحد، فمغنية تملص من الفرنسيين واختفى، تاركاً وراءه عملاء محبطين.
سنحت فرصة إضافية لتصفية عماد مغنية في آواخر التسعينيات؛ فقد طلب الأميركيون من «الشاباك»، الذي كان مسؤولاً في ذلك الوقت عن جنوب لبنان، المساعدة في ملاحقته، وقد شخص «الشاباك» مكانه وأعدّ لتنفيذ عملية، إلا أنه لم يعط الإذن من قادة الأجهزة الأمنية بعدما عبّر البعض عن شكوكهم في العملية، وقد خشي رئيس الوزراء في حينه بنيامين نتنياهو أن يعطي الأمر بالتوجيه خلافاً للتوصيات، الأمر الذي أدى إلى مواصلة مغنية زرع الإرهاب لعقد كامل من الزمن بعد ذلك.