strong>محمد بدير
بدت إسرائيل، أمس، كمن يحاذر السقوط في هاوية قطاع غزة رغم سعي مسؤوليها إلى إعطاء الانطباع باقترابهم من اللجوء إلى الحل العسكري الجذري لمعالجة مشكلة «القسام» المستعصية. وفي وقت كان فيه نائب وزير الدفاع، متان فلنائي، يهدد الفلسطينيين بـ«شويهم» إذا استمر إطلاق الصواريخ، استبعدت مصادر سياسية إسرائيلية خيار العملية البرية الواسعة ضد القطاع في الوقت الراهن رغم استكمال جيش الاحتلال لاستعداداته الميدانية على مشارف القطاع حيث استمر حشد القوات المدرعة.
وأفادت تقارير إعلامية إسرائيلية أن تل أبيب قررت رفع منسوب اعتداءاتها راهناً «لتطال قادة الصف السياسي في حركة حماس ومؤسسات السلطة التي تسيطر عليها في القطاع».
وقال وزير الحرب الإسرائيلي، إيهود باراك، أمس، إن «رد إسرائيل (على حماس) أمر قائم ولازم»، مضيفاً، خلال زيارة قام بها إلى مدينة عسقلان، «إن تدهور الأوضاع هو من مسؤولية حماس وهي التي سوف تتحمل التبعات».
وبدا أن تصريحات باراك، أمس، أقلّ حدة من التي أطلقها قبل يومين وأعطى فيها الانطباع بأن اجتياح القطاع صار قاب قوسين. وأشارت تقارير إعلامية إسرائيلية إلى خلاف بين كل من باراك ورئيس الحكومة، إيهود أولمرت، بشأن خطوة كهذه. ونقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن مقرب من باراك قوله إن «القصف على عسقلان كان اجتيازاً لخط أحمر» وإنه «يحظر أن نجعل حماس تشعر أن سيف العملية البرية الواسعة ليس مصلتاً فوق رأسها»، في حين رد مقربون من أولمرت على هذه التصريحات بالقول إن الأخير سيعقد اجتماعاً للمجلس الوزاري الأمني المصغر للتداول في الأوضاع على جبهة غزة «حيث ستطرح الجهات المعنية آراءها ويتم اتخاذ القرار في المكان المخصص لذلك من دون الدخول في جدال علني».
من جهته، هدد نائب باراك، متان فلنائي، الفلسطينيين بالشّيّ رداً على استمرار صلياتهم الصاروخية. وقال لإذاعة الجيش «كلما اشتدت الهجمات بصواريخ القسام وزاد المدى الذي تصل إليه الصواريخ عرّضوا (الفلسطينيون) أنفسهم لشواء أشد لأننا سنستخدم كل قوتنا للدفاع عن أنفسنا».
وفي وقت لاحق، حاول متحدث باسم فلنائي تدارك استخدام عبارة «الشواء»، فأوضح أن «فيلنائي يقصد كارثة. ولا يقصد أن يشير إلى الإبادة الجماعية»، في إشارة إلى المعنى الاصطلاحي للكلمة في اللغة العبرية.
وحذر فيلناي من أن إسرائيل مستعدة لاستخدام «كل الوسائل الضرورية» من أجل وقف استهدافها. وأضاف «لن نتراجع أمام أي عمل لإجبار حركة حماس على وقف إطلاق الصواريخ». وتابع أن «قادة حماس يعرفون ذلك، لكنهم غير مسؤولين»، معتبراً أن إسرائيل «لن تملك خياراً إلا القيام بعملية كبيرة من أجل وقف إطلاق الصواريخ».
إلا أن مصادر سياسية إسرائيلية رفيعة أكدت أمس أن إسرائيل لم تصادق حتى الآن على شن عملية عسكرية واسعة على قطاع غزة. ونقلت الإذاعة الإسرائيلية العامة عن المصادر ذاتها قولها إن «قوات الأمن ستستمر في العمل وفقاً للمسار الحالي وستركز اهتمامها على مطلقي القذائف الصاروخية والقواعد الإرهابية».
وبحسب المصادر السياسية الإسرائيلية فإنه «سيتم تنفيذ الهجمات فقط في توقيت يخدم إسرائيل لا بسبب ضغط شعبي وسياسي». وقالت القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي إن الجيش سيصعد هجماته في الفترة المقبلة لتضع في دائرة استهدافاتها القيادات السياسية لحركة «حماس» والمنشآت العامة التابعة للسلطة الفلسطينية التي تسيطر عليها الحركة.
من جهة أخرى، نقلت صحيفة «معاريف» عن مصادر عسكرية أن «الجيش أكمل استعداداته تمهيداً لاحتمال عملية برية واسعة في قطاع غزة»، مستبعدة في الوقت نفسه أن «يكون الهجوم وشيكاً».
وبحسب الصحيفة يفضل الجيش تجربة «درجات من التصعيد في الرد قبل تمرير طلب المصادقة على عملية برية واسعة في القطاع إلى الحكومة». رغم ذلك أضافت الصحيفة أن ثمة أجواء «حرب مصغرة» تسود في الجيش الإسرائيلي الذي بدأ «بكثافة لم يُشهد لها نظير منذ فك الارتباط باستهداف بنى تحتية لحماس على طول قطاع غزة، وكذلك ضد المجموعات المطلقة لصواريخ القسّام».
وقالت صحيفة «يديعوت» إن مشاورات أمنية على أعلى مستوى حصلت في اليومين الأخيرين أفضت إلى إجماع بين المشاركين، وفي مقدمهم باراك، على ضرورة «تحريك الخطوة العسكرية الشاملة ضد قطاع غزة». وأوضح للحاضرين «لا شيء حتميّ، وحماس هي التي ستقرر مصيرها، وسلوكها هو الذي سيقرر بقاء حكمها في القطاع». وأضافت «يديعوت» أن «الأهداف التي ستحددها القيادة السياسية للجيش في حال إصدار الأوامر له بشن عملية واسعة في القطاع ستكون الآتية: أولاً، وقف نار حماس؛ ثانياً، تقليص تعاظم قوى حماس ووقف التهريبات من مصر؛ ثالثاً، إضعاف قوات حماس حتى إسقاطها إذا ما نشأت الظروف التي تسمح بذلك؛ رابعاً، الذي يفترض أن ينفذ في المدى البعيد، هو استكمال فك الارتباط الكامل عن قطاع غزة».