محمد بدير
بدا واضحاً أمس أن إسرائيل تخشى من سطوة الصدقية التي تقر بها للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر، فانتقلت، بعد تنكّر أولي لتصريحاته بشأن حيازة المقاومة لأشلاء جنود إسرائيليين، إلى «عدم استبعاد» صحّة ما قاله

هل أخفت القيادة الإسرائيلية عن أهالي بعض الجنود الذين عادوا قتلى من عدوان تموز حقيقة كون جثثهم غير مكتملة، فدفنتها من دون إطلاعهم على وضعها؟ يمكن، في ضوء الأداء الإعلامي والرسمي الإسرائيلي الذي أعقب تصريحات السيد حسن نصر الله في هذا الشأن، الاطمئنان إلى صحة هذا الاستنتاج.
تصريحات أثارت ضجة إعلامية لافتة داخل الدولة العبرية عكست مفاجأة الكثير من الأوساط فيها بما كشف عنه الإعلان. وكانت الصحف الإسرائيلية سباقة إلى التعبير عن واقع الحال الإسرائيلية حيال هذا الأمر، فصدرت صبيحة المقابلة التلفزيونية لنصر الله بعنوان رئيس يقتبس كلامه على حيازة الحزب لأشلاء الجنود، تلتها خلال النهار تصريحات مربكة لبعض المسؤولين الإسرائيليين ينفون فيها صحة ما قاله ويدعون إلى تجاهله.
بيد أن هذا الموقف شبه الرسمي تبدّل بين ليلة وضحاها، متخذاً من طريقة التسريب الصحافي المعروفة وسيلة لانقلابٍ احتوائي يبدو أنه سيكون تدريجيا تماشياً مع حساسية الموضوع لدى الرأي العام الإسرائيلي. فقد ذكرت صحيفة «هآرتس» أمس أن الجهات الرسمية في إسرائيل «تتعامل بحذر مع تصريحات نصر الله، ولا تستبعد احتمال أن يكون ما قاله حقيقة».
وعلّلت الصحيفة هذا الاحتمال بـ«حجم القتال خلال حرب لبنان الثانية وحقيقة أن عدداً كبيراً من الجنود قتلوا جراء إصابات ناجمة عن انفجار عبوات ناسفة وقذائف مضادة للمدرعات، (ولذلك) فإن من الجائز أن يكون الحزب يحتجز فعلًا أشلاء جثث، على الرغم من أن الأمر لم يكن معروفاً لإسرائيل حتى اليوم». وأضافت «هآرتس»، من دون ذكر مصدر معلوماتها، أن إسرائيل لا تنوي إجراء مفاوضات خاصة مع حزب الله لاستعادة أشلاء الجثث.
ونقلت الصحيفة عن أرييلا غولدمان، والدة أحد الجنود القتلى في مواجهات عيتا الشعب، قولها تعقيباً على الموضوع «بالنسبة لي، عاد ابني كاملًا إلى القبر، إلا أن هذا لم يحدث لعدد كبير من العائلات الأخرى (التي قتل أبناؤها في الحرب) وشعور هذه العائلات مروع، وأنا أعرف أن الجيش الإسرائيلي بذل كل جهد ممكن لجمع أشلاء الجثث، وبعض العائلات عانت كثيراً بسبب عدم إحضار كل الجثث كاملة للقبر».
وفي ردّه على سؤال عن احتمال صحة ما قاله نصر الله، قال القائد في حزب الليكود، موشيه فايغلين، خلال مقابلة تلفزيونية، «بالتأكيد نعم. إنه صادق أكثر من زعاماتنا، وأنا لا أخشى من القول إن الجمهور (الإسرائيلي) بعمومه أدرك خلال الحرب أنه إذا كان هناك زعيم يمكن تصديقه في هذا الصراع فهو نصر الله زعيم العدو، لا قادتنا».
أما الإعلامي الإسرائيلي البارز موطي كيرشنباوم، فقد علق خلال برنامجه الحواري اليومي على كلام نصر الله قائلًا «قد يفهم من كلامي أنني متطرف، لكن لا بد من التأكد من أننا شاهدنا حسن نصر الله صاحب الشخصية التي تنمّ عن إنسان متوازن بشكل غير عادي، إنسان عميق بفهمه وكبير بعقله وبإحاطته بالأمور والتطورات، إنسان منطقي وعقلاني نعم، ومن الطبيعي أننا لا نعرف كل الأمور، وعليه يمكن القول أيضاً إنه ربما كان على حق».
وفي السياق، قال شمعون بيريز، خلال جولة في بلدة المجيدل القريبة من الناصرة، إن «الاتصالات لتحرير الجنديين المخطوفين (في لبنان) مستمرة ومتواصلة». وأضاف «يبدو أن الاتصالات عالقة بنظره (نصر الله) لأننا لا نوافق على ما يطلب».
وقال مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى، إن إسرائيل «لا تزال ترى أن حكومة لبنان هي المسؤولة عن مصير الجنديين الأسيرين وسلامتهما». وأضاف أن «نصر الله يعرف جيّداً أن الاتصالات لتحريرهما لا تزال مستمرة».