محمد بدير
تجندت الصحف الإسرائيلية أمس لخوض «حرب روايات» تناولت الأيام الأخيرة من عدوان تموز وقرار شن الاجتياح البري الواسع فيها، وسط انقسام واضح بين مبرر للقرار وجدواه، كما فعلت «يديعوت أحرونوت»، ومنتقد له بحدة، كما نحت «معاريف» وأيدتها في ذلك «هآرتس».
ومن المعلوم أن العملية البرية، «تغيير الاتجاه 11»، التي قتل فيها 33 جندياً إسرائيلياً، لا تزال تثير سجالاً مستمراً في إسرائيل منذ انتهاء الحرب، ويتوقع أن يمثّل تقويمها، لجهة الأهمية والجدوى وتأثيرها على مسار نهاية الحرب ونتائجها، المحور الأساسي في تقرير فينوغراد الذي سيصدر بعد خمسة أيام.
وفيما يشدد رئيس الوزراء الإسرائيلي، إيهود أولمرت، على أن قرار العملية كان عاملاً حاسماً في التعديلات التي أدخلت على القرار الدولي 1701 قبل تبنيه في مجلس الأمن، تشير تحقيقات صحافية إلى أنه كان عبثياً ولا يرتكز على أي مبررات سياسية أو ميدانية في حينه.
وفي هذا السياق، شن أبرز المعلقين السياسيين في صحيفة «معاريف»، بن كسبيت، هجوماً عنيفاً على قرار العملية، كاشفاً عن أن مسؤولين عسكريين وسياسيين في إسرائيل سعوا إلى الحؤول دونه بلا طائل. ومن بين هؤلاء المسؤولين، وزير المواصلات شاؤول موفاز، والملحق العسكري الإسرائيلي في واشنطن الجنرال دان هارئيل، ورئيس القسم السياسي الأمني في وزارة الدفاع عاموس غلعاد، ورئيس الأركان الحالي المدير العام لوزارة الدفاع في حينه، غابي أشكنازي.
وكشف كسبيت أن أشكنازي، الذي أدرك أن الأمور تسير نحو كارثة بعدما تبين له أن الجيش ينوي شن عملية كبيرة في أيام الحرب الأخيرة، حاول في اليومين اللذين سبقا قرار أولمرت إقناع وزير الدفاع عامير بيرتس بعدم القيام بذلك. وعندما باءت محاولاته بالفشل، جراء وقوف رئيس الأركان في حينه دان حالوتس، له بالمرصاد، التفّ أشكنازي على بيرتس وحالوتس، واتصل بصديقه نائب رئيس الأركان، موشيه كابلنسكي، محاولاً دفعه إلى الاعتراض على جدوى العملية، معلماً إياه أنه تم التوصل إلى الاتفاق على نص القرار الدولي الخاص بوقف إطلاق النار.
وبحسب كسبيت، سأل أشكنازي كابلنسكي: «من أجل ماذا نحن بحاجة لهذه العملية العسكرية؟ هل من أجل الكرامة؟»، فلقي الأخير صعوبة في الرد، مكتفياً بالقول إن «كرامة الجيش الإسرائيلي هي أيضاً أمر هام».
كما كشف كسبيت أن «غلعاد كان يفكر مثلهما، حتى إنه أعد وثيقة مفصلة، وداخلية، قبل صدور قرار أولمرت بـ 24 ساعة وعممها على صناع القرار» وقال فيها إن «العمليات العسكرية الإسرائيلية استنفدت نفسها» وإنه لم يعد بالإمكان تحقيق إنجازات أخرى بواسطة القوة العسكرية.
وعرض كسبيت رواية تفصل بالتسلسل الزمني مسار التوصل إلى صيغة القرار 1701 النهائية، مثبتاً أن هذا المسار كان منفصلاً عن مبررات قرار «تغيير الاتجاه 11»، الذي اتخذ بعدما كان الاتفاق على الأول قد تم.
وخالفت صحيفة «يديعوت» رواية «معاريف»، فكتب معلق الشؤون السياسية فيها، ناحوم برنياع، أن أولمرت كان يرزح، خلال الأيام القليلة التي سبقت اتخاذه القرار، تحت ضغوط شديدة من جانب الجيش بضرورة تنفيذ العملية العسكرية، كما أنه تلقى تشجيعاً من موظفين في الإدارة الأميركية في هذا الاتجاه.
وبحسب برنياع، الذي من الواضح أنه ينتهج أخيراً خطاً ممالئاً لأولمرت، توصل الأخير، في ختام مداولات مطولة، إلى استنتاج أنه إذا لم تُنَفَّذ العملية البرية، فإن أمراً من اثنين سيحدث، إما أن تستمر الحرب من دون وجود نقطة لوقفها، أو أن الحرب ستنتهي من دون إنجاز لإسرائيل.
وكما كسبيت، عرض برنياع تسلسلاً زمنياً للأحداث، يُظهر الارتباط السببي بين قرار شن العملية البرية والتعديلات التي هي في مصلحة إسرائيل والتي أدخلت على الصيغة النهائية للقرار 1701، مشدداً على دور الأميركيين في التصريح بضرورة اتخاذ قرار العملية.
بدورها، صحيفة «هآرتس»، كان لها ما تقوله على هذا الصعيد، فلفتت، بعدما تبنت ضمنياً رواية «معاريف» بشأن التسلسل الزمني للأحداث، إلى أن مكتب أولمرت كان قد لجأ إلى تغيير خطته الدفاعية في هذا الأمر، فاستعاض عن «السعي إلى تعديل المسودة السيئة للقرار الدولي» بـ«الحاجة إلى الاستيلاء على مواقع متقدمة على الأرض، خشية ألا يحترم حزب الله وقف إطلاق النار».
إلا أن الصحيفة أشارت إلى رفض ثلاثة جنرالات في هيئة الأركان لهذا الادعاء، ونقلت عنهم أن المعلومات الاستخبارية التي كانت بحوزة الجيش في حينه أوضحت أن الحزب سيوافق على وقف إطلاق النار.
وبعد أن فندت «هآرتس» هذه الحجة، خلصت إلى التساؤل عن تفسير إصدار أولمرت لقرار العملية الواسعة رغم كل شيء، فرأت أن «أولمرت وبيريتس افترضا، عند اتخاذ القرار، أن الحرب ستنتهي بإنجاز ما والضغط لتقديم الشروح سيقل»، مضيفة: «يمكن التقدير أن الدوافع للخطوة كانت خليطاً من التخوف الحقيقي على مصير قدرة الردع الإسرائيلية إذا ما انتهت الحرب من دون ضربة لحزب الله، إلى جانب اعتبارات النجاة السياسية الشخصية».