مهدي السيد
أثار توقيت نشر التقرير الاستخباري الأميركي عن إيران وخلفياته الحقيقية علامات استفهام كثيرة لدى المحللين الإسرائيليين، الذين ربطوا مضمونه التخفيفي بالتجربة الاستخبارية السابقة المخيبة للآمال في الموضوع العراقي، وتوقفوا عند التباين ما بين التقديرين الأميركي والإسرائيلي في هذا الملف، وتداعياته المحتملة

رأى معلق الشؤون الأمنية في «يديعوت أحرونوت»، رون بن يشاي، أن التقدير الاستخباري القومي للولايات المتحدة، «يقول ظاهرياً الأمر وعكسه. فمن جهة، تكشف الوثيقة المهمة أن إيران جمّدت مشروع السلاح النووي منذ عام 2003. ومن جهة ثانية يدّعي معدّو التقرير أن ايران تواصل جهودها لامتلاك السلاح النووي».
والسؤال المطروح، بحسب بن يشاي، هو: إذا كانت إيران جمدت تطوير السلاح النووي قبل أربع سنين، ولم تستأنف التطوير في هذه الأثناء، فعلى أي أساس جرى الادعاء في التقدير الاستخباري نفسه أنه بعد عدة سنين سيكون لدى ايران مثل هذا السلاح؟
وتوقف بن يشاي عند توقيت نشر التقرير من جانب الإدارة الأميركية تحديداً فيما الولايات المتحدة تحاول إقناع الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي بفرض وجبة جديدة من العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية على إيران. وفي تحليله للدوافع، أشار بن يشاي الى رغبة إدارة الرئيس جورج بوش في «إقناع روسيا والصين والأوروبيين، بأن المشروع النووي الإيراني لا يزال موضوعاً قابلًا للتأثير تحت ضغط العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية، وإلى رغبة الإدارة في واشنطن في أن تثبت لحلفائها أن الإيرانيين ليسوا متهورين كما يبدون، وأنهم حساسون تجاه الرأي العام الدولي وضغوطه». وثمة، بحسب بن يشاي، دافع محتمل ثالث للنشر، «يكمن في رغبة الأميركيين في القيام ببادرة حسن نية تجاه ايران. بادرة تتيح لهم مواصلة الاتصالات مع طهران من أجل تهدئة الوضع في العراق».
وإذ رأى بن يشاي أن نشر التقدير الأميركي لا يشير بالضرورة الى تليين الموقف الصلب لواشنطن في معارضتها للمشروع النووي الإيراني، دعا في المقابل الحكومة الإسرائيلية إلى «تسريع الحوار الاستراتيجي والاستخباري المكثف مع الولايات المتحدة في الموضوع الإيراني، تجنباً لأي مفاجأة».
بدوره، رأى الخبير في الشؤون الأمنية في «يديعوت احرونوت»، رونين بيرغمان، أنه «ينبغي التطرق للتقرير الأميركي، الذي يتناقض مع تقارير أميركية سابقة، بالشك ذاته الذي ينبغي التطرق له بالنسبة للتقديرات التي تنقلها صبح مساء محافل الاستخبارات في اسرائيل».
وأضاف أنه «بالقدر نفسه، تجدر الإشارة الى أن لمقاولي الاستخبارات في الولايات المتحدة أيضاً جدول أعمال خاصاً بهم. وهو يتّسم بحذر زائد ينتهجونه بعد الفشل الهائل في الكشف عن المحاولات ـــــ التي لم تكن ـــــ من جانب صدام حسين لامتلاك سلاح نووي، وهو يتأثر أيضاً بعدم رغبتهم في تأييد عملية عسكرية ضد ايران، ولا سيما بعد الغرق في وحل العراق، والذي جاء في أعقاب الفشل الأول».
ومن ناحية اسرائيل، يرى بيرغمان، أن «التقرير يشير إلى مشاكل كبرى، لأنه أقرب الى تحقق السيناريو الأسوأ الممكن الذي توقعته إسرائيل بخصوص التصدي لإيران». وفي «هآرتس»، رأى شموئيل روزنر وألوف بن، أن التقرير الأميركي «أظهر أن الوقت لا ينفد وأن الإيرانيين لا يتقدمون باتجاه الذرة، بينما بدت اسرائيل مثل أرنب مذعور يقفز ويركض رعباً لسماعه صوت تفاحة وهي تسقط من الاعلى في الغابة».
وأكد روزنر وبن أنه «سيكون هناك جدل كبير حول استخلاصات هذا التقرير، وأن كثيرين سيفترضون أن من صاغوه لم يقوموا بعمل سليم، سواء في التحليل أو في جمع المعلومات». ويتفق روزنر وبن، مع ما أشار إليه بيرغمان، لجهة وجود «تفسير نفسي يضاف لهذا التقرير في محاولة لرفض استخلاصاته، مفاده أن الاستخبارات التي كانت مصابة بالتقدير المفرط قبل حرب العراق ـــــ حيث افترضت أن صدام يمتلك اسلحة كيميائية وبيولوجية ـــــ انتقلت الآن إلى التقديرات الناقصة القاتلة بصدد إيران ـــــ هذا التقدير المنقوص الذي ستترتب عليه مفاجأة اخرى مثل تلك التي برزت للاميركيين عند الكشف عن القنبلة النووية الهندية والباكستانية».
أما من الناحية المهنية، فيشير الكاتبان إلى أنه «سيجري الآن جدل عاصف سيكون امتداداً للجدل الذي نشب قبل ذلك بين اجهزة الاستخبارات الاسرائيلية وبين الاميركيين بشأن موعد امتلاك القنبلة الإيرانية».
ويلخص روزنر وبن مضاعفات التقرير الأميركي بالقول إنه «أنشأ وضعاً جديداً، وأسقط الخيار العسكري ضد ايران على الأقل الى أن تتم صياغة تقرير أو وثيقة معاكسة أو اكتشاف دليل راسخ، إذا ظهر في وقت من الأوقات».
ويرى الكاتبان أيضاً أن هذا التقرير «سيمنع أي رئيس اميركي، بمن فيهم بوش، من مهاجمة ايران، فيما سيقيد أيادي اسرائيل، فضلًا عن أن الولايات المتحدة لن تكون مستعدة لدفع ثمن هجوم حليفتها المقربة، وأنه من المشكوك فيه أن تتمكن إسرائيل من مهاجمة ايران في ظل المعارضة الاميركية، خاصة أن الظروف تغيرت في الساحة العالمية وفي الساحة الداخلية الاميركية على حد سواء».
أما المراسل العسكري لـ«يديعوت أحرونوت» أليكس فيشمان، فأشار من جهته إلى أن هذا التقرير «وجّه ضربة تحت الحزام للصراع الذي تديره اسرائيل على الساحة الدولية ضد المشروع النووي الايراني». وأوضح أن «اسرائيل لم تفاجأ من مجرد وجود التقرير، بل إن المفاجأة تنبع بقدر أكبر من فوارق المعلومات بين التقديرات الإسرائيلية والتقديرات الأميركية».
وأشار فيشمان إلى «الخشية الإسرائيلية من أن يؤدي التقرير الى إزاحة الضغط الدولي عن ايران، وإلى شطب خيار الضربة العسكرية من جدول الاعمال، كذلك شطب العقوبات»، محذراً من إمكان «تصدع الصدقية التي بثتها اسرائيل طيلة الحملة على ايران، وعندما سنصرخ غداً: ذئب! ذئب! قليل من الناس سيصدقوننا».