حيفا ــ فراس خطيب
وسط ضوضاء ليلة الميلاد المنتظرة في مدينة حيفا، شهد الجانب الأسفل من حي وادي النسناس، حادثة عكّرت صفو العيد وأعادت المحتفلين إلى جريمة شهدتها المدينة قبل شهر ونصف تقريباً.
فالمئات تظاهروا، أمس، احتجاجاً على قرار المحكمة المركزية الإسرائيلية بإغلاق الملف ضد الشاب اليهودي، أرنولد يزرائيلوف، الذي اعترف بقتل، سائق سيارة الأجرة، عماد خوري، لكونه عربياً، بعدما اعتبرته «مختلاً عقلياً».
ورأت المحكمة «استناداً إلى توصيات اختصاصيين نفسيين» بأنّ القاتل «ليس أهلاً للمثول أمام المحكمة». وهي حال مأسوية مألوفة: قاتل العربي مختل عقلياً.
يُذكر أن خوري كان قد توقف لـ«قضاء حاجة»، أثناء ذهابه إلى عمله في منطقة كريات يام (ضواحي مدينة حيفا) في الخامس من تشرين الثاني. وبعد دقائق من نزوله، انقض عليه شاب لا يعرفه من قبل، وطعنه طعنات عديدة في أنحاء جسده، أدت إلى وفاته بعد دقائق من الحادث، مخلفاً وراءه أرملة وأربعة أطفال.
عندها، أقدمت شرطة «زفولون» على اعتقال الشاب اليهودي، الذي اعترف خلال التحقيق أنه قتل خوري على خلفية قومية، بقوله «سمعت صوتاً إلهياً يقول لي اقتله لأنه عربي».
وبدا الإعلان عن القرار بأن القاتل مختل عقلياً، مأتماً جديداً بالنسبة لعائلة الشاب، «وأشعل جمرة عماد مرة أخرى»، حسبما قال أحد أفراد العائلة.
وأثار القرار الإسرائيلي أيضاً سخط الشارع الفلسطيني في الداخل، معتبرين «القضية قضية الجميع»، ما قاد في النهاية إلى تنظيم تظاهرتين في حيفا، كانت الأولى قبل ثلاثة أسابيع أثناء المحكمة، والثانية عقدت أول من أمس، حيث رفع المتظاهرون شعارات منددة بسياسة المحكمة الإسرائيلية، جاء فيها «عماد خوري ضحية التربية العنصرية»، «المحكمة تعطي الضوء الأخضر لقتل العرب».
وقال أحد المتظاهرين إن «هذا ما تهديه لنا المحكمة عشية الأعياد؟ أن تقرر بأن القاتل مُختل؟ ومن الطبيعي سيتم إطلاقه بعد شهور عندما يتبين أنه معافى».
يقول وسام خوري، شقيق القتيل، «نرفض الحكم الصادر عن المحكمة ونحن نحتج على هذه القضية. نحن نطالب القضاء بتغيير رأيه بالنسبة للحكم الموجود. نريد أن نرفع صوتنا وخصوصاً أننا لم نملك أي تمثيل في المحكمة بما أن النيابة العامة هي من تقدم لائحة الاتهام».
هذه ليست المرة الأولى التي يسعى فيها القضاء الإسرائيلي إلى اعتبار قتلة الفلسطينيين «مختلين عقلياً». هم يرون هذا «الحل الأمثل»، للحيلولة دون معاقبة المجرمين.
وفي رأي عضو بلدية حيفا، وليد خميس، (التجمع الوطني الديموقراطي) «يبدو جلياً أن الشرطة والقضاء والنيابة العامة أصبحت أذرعاً مشدودة لتنفيذ سياسة شرعنة العنصرية». وكشف خميس أن الشرطة قدمت القاتل إلى الطبيب النفسي بعد مرور ساعتين على تنفيذ الجريمة. وهذا لا يترك أي شك حول نيات الشرطة لإظهار القاتل مجنوناً بأي ثمن لئلا يقدم إلى المحاكمة». وتابع: إن «النيابة الإسرائيلية العامة التي لم تطلب حتى التحقيق مع الطبيب النفسي الذي قرر أن القاتل مختل عقلياً، وكذلك لم تعترض على قرار المحكمة بإغلاق الملف. هذا يثبت أن الشرطة والنيابة العامة والمحكمة اتفقت على الجو العنصري العام ليتحوّل إلى سياسة».
في هذه الأثناء، تسعى عائلة خوري إلى تقديم التماس إلى المحكمة العليا، لكنّ إنصافهم لا يزال بعيداً للغاية، يقاومون استقبال العيد الأول بعد رحيل خوري. وبدل من أن ينتظر أبناؤه «بابا نويل» في وادي النسناس، فإنّهم ينتظرون المحكمة المقبلة، أو القتل الآتي.