حيفا ــ فراس خطيب
الحفريات قرب الحرم القدسي مستمرة، والموقف العربي والدولي لم ولن يؤثر في القرار الإسرائيلي، ما دام في سياق المواقف الكلامية والتنديد، ولا سيما أن الغرض الإسرائيلي بات واضحاً: “فرض السيادة على القدس”

بعد ستة أيام من بدء الحفريات الإسرائيلية عند طريق “باب المغاربة” المؤدي إلى المسجد الأقصى، بات الغرض الإسرائيلي من الحفريات واضحاً، وهو “فرض السيادة الإسرائيلية” على القدس المحتلة والحرم القدسي، حسبما جاء في تصريحات وزراء إسرائيليين، وعلى رأسهم رئيس الوزراء إيهود أولمرت، خلال جلسة الحكومة الأسبوعية التي أقرت أمس مواصلة أعمال الهدم، بغض النظر عن المواقف الدولية.
وصادقت الحكومة الإسرائيلية على استمرار عمليات الحفر عند “باب المغاربة” في القدس المحتلة، وصوّتت غالبية الوزراء الإسرائيليين إلى جانب القرار، وامتنع ثلاثة فقط من وزراء حزب العمل وهم: وزير الدفاع عامير بيرتس ووزيرة المعارف يولي تامير والوزير العربي المسلم غالب مجادلة.
وهاجم أولمرت رئيس “الحركة الإسلامية ــ الشق الشمالي”، الشيخ رائد صلاح، موضحاً أنَّ وظيفة الحكومة “بذل الجهود لتقوية أطراف معتدلة في صفوف العرب في إسرائيل”، ومشدداً على أنَّ “رائد صلاح يعمل على مستوى آخر نابع من رؤية إذا تحققت، فإن إسرائيل لن تقوم كدولة ديموقراطية ذات سيادة”.
كما هاجم أولمرت رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، خالد مشعل، مشيراً إلى أنه إذا كانت هناك “مشكلة” لدى رائد صلاح وخالد مشعل تتعلق بأعمال الحفريات “فليس من المستبعد أن يقولوا لنا مستقبلاً ماذا سنفعل في باب الخليل وحي مميلا (مقبرة مأمن الله في القدس الشرقية التي تقيم عليها إسرائيل مبنى لمتحف الديانات)”، مشيراً إلى أن الحديث يجري عن “أرض وسيادة”. وقال إن “على الدولة أن تقول هذه أرضنا وتحت سيادتنا وليس ممكناً أن نمنحهما الحق بفرض إملاءاتهما”.
وادعى أولمرت أنه تم “إعلام الجهات المختصة ببرنامج المخططات”، موضحاً أنَّ اسرائيل “لم تنتظر تأشيرات من أحد”. وتوقّع استمرار الحفريات ثمانية أشهر.
وقال مسؤول في مكتب أولمرت إن جلسات كثيرة عقدت في مكتب أولمرت في يوم 25 كانون الثاني، عندما طرحت أسئلة كثيرة صعبة “من أجل فحص إذا كانت أعمال الحفريات ستقود إلى مواجهات”. وأضاف أنَّ الأجهزة الأمنية (الاستخبارات والموساد والشاباك) قالت إنَّ التوقيت في هذه الأيام هو “مناسب أكثر من أي توقيت آخر”، لأنَّ “حماس ضعيفة والحركة الإسلامية منقسمة”، مشيراً إلى أنه “لا وقت أفضل من هذا للقيام بأعمال كهذه”.
وأوضح المسؤول نفسه أنه “لا توجد دولة مجبرة على اتخاذ خطوات لترجمة سيادتها على مساحة تقع تحت سيادتها الكاملة”، مشيراً إلى أن “باب المغاربة هو المدخل الوحيد لليهود وقوات الأمن لباحة المسجد الأقصى، ولا يمر من حي عربي”.
ونص قرار الحكومة على أن تتولى وزارة الخارجية تركيز حملة إعلامية دولية لتوضيح الموقف الإسرائيلي على أن يعمل كل من الشرطة والشاباك لتأمين الرد الميداني والاستخباري ضد أعمال الاحتجاج.
ومع بداية جلسة الحكومة، انتقد وزير الأمن الداخلي آفي ديختر، (كديما) أقوال وزير الدفاع بأنه لم يشارك في اتخاذ القرار ببدء الأعمال في باب المغاربة، قائلاً له: “في 21 كانون الثاني عقدت جلسة في مكتبه بمشاركة كل الأطراف ذات الصلة وبينها الجيش”، مشيراً إلى أن اجتماعاً “آخر عقد في مطلع الشهر الجاري وتحدث فيه ممثل الشرطة عن الموعد المقرر لبدء الأعمال”.
وقال وزير الشؤون الاستراتيجية المتطرف افيغدور ليبرمان (يسرائيل بيتنا): “باسم العقل يجب الاستمرار في العمل عند باب المغاربة”، مشيراً إلى أنَّه “إذا لم تفعل إسرائيل، فإنَّ هذا سيكون ضربة للسيادة الإسرائيلية وقدرتها على منح حرية الديانات ليس فقط لنا، بل للآخرين”.
واقترح وزير الاتصالات الإسرائيلي اريئيل اتياس (شاس) حلاً مغايراً لما اقترحه وزراء الحكومة بقوله إنه “يجب التصرف بحكمة ومسوؤلية وأن نمكّن رجال الدين اليهود والمسلمين من التوصل الى تفاهمات حتى تتم الأمور باتفاق وسلام”.
واعتدت الشرطة الإسرائيلية أمس على المعتصمين عند باب المغاربة بالهراوات والعصي، واعتقلت خمسة منهم، بينهم رئيس مؤسسة الأقصى، الشيخ علي أبو شيخة، الذي نقل من الاعتقال لتلقي العلاج إثر تعرضه للضرب المبرح.
وأصدرت محكمة الصلح في القدس المحتلة أمراً بإبعاد ثلاثة من نشطاء الحركة الإسلامية ومؤسسة الأقصى لمدة سبعة أيام عن القدس المحتلة.
وقال شهود عيان، لـ“الاخبار”، إنَّ الشرطة الإسرائيلية “دهمت مكان الاعتصام واعتدت على المتظاهرين بشكل شرس”، مشيرين إلى “استدعاء فرق الخيالة في الشرطة لتفريق المتظاهرين”.
وكانت القدس قد شهدت أول من أمس أيضاً مواجهات عند باب المغاربة، سعت الشرطة الإسرائيلية لتفريقها بحجة أنَّ “التظاهرة ليست مرخصة”.
وكان يوم الجمعة الماضي يوماً صاخباً للغاية، حيث شارك آلاف المصلين الفلسطينيين بصلاة يوم الجمعة، بعدما منعت شرطة الاحتلال دخول الشبان دون الخامسة والأربعين إلى باحة المسجد الأقصى والبلدة القديمة.
ومع انتهاء صلاة الجمعة، اندلعت مواجهات داخل الحرم بين قوات الاحتلال والمصلين أوقعت 17 جريحاً فلسطينياً. وقال متحدث باسم الشرطة الإسرائيلية إنَّ 15 من رجالها أصيبوا نتيجة رشقهم بالحجارة من المصلين.
وامتد الغضب من القدس وصولاً إلى مدينة الناصرة الجليلية، حيث نظمت الحركة الإسلامية تظاهرة شارك فيها الآلاف تحت عنوان “الأقصى في خطر”.
إلى ذلك، نددت جامعة الدول العربية بأعمال الحفر ودعت لجنة الوساطة الرباعية في الشرق الأوسط إلى حمل إسرائيل على التوقف عن هذه الأعمال.
وقالت الجامعة، في بيان، إن الحفر الإسرائيلي عمل إجرامي. وأضافت أن “المساس بالحرم القدسي الشريف هو مساس بعقيدة جميع المسلمين في العالم”. كما دعت الجامعة “المجموعة العربية لدى الأمم المتحدة إلى التقدم لعقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن لمطالبته بممارسة مسؤولياته لوقف هذه الانتهاكات الخطيرة”.
من جهته، شدد رئيس الكنيسة الأرثوذكسية في مصر البابا شنودة الثالث على أن الممارسات الإسرائيلية ضد المسجد الاقصى تعد “اعتداء على كل الناس”، قائلاً إن الإسرائيليين “لن يستطيعوا هدم الأقصى في ظل اتحاد الجميع”.