حيفا ــ فراس خطيب
برز أمس حراك سياسي إسرائيلي غير مسبوق باتجاه سوريا، تظهّر في تسريبات عن «اتصالات سرية» إسرائيلية ــ سورية، دعمتها تصريحات مسؤولين في الدولة العبرية تدفع باتجاه فتح قناة تفاوضية مع دمشق

كشفت صحيفة «يديعوت احرونوت»، أمس، عن «اتصالات سرية»، بين رئيس الحكومة الاسرائيلية إيهود أولمرت والرئيس السوري بشار الأسد لبحث إمكان استئناف مفاوضات السلام على المسار بين الدولتين، مشيرة أيضاً إلى وجود «مبادرة سلام» سرية يقودها وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك، الذي قالت إنه عيّن رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السابق اوري ساغي «منسق مشروع التفاوض» مع السوريين من دون إعلام مكتب رئيس الحكومة.
ونقل المحلل في «يديعوت»، شمعون شيفر، عن «مصادر سياسية إسرائيلية رفيعة المستوى»، قولها إنّ أولمرت «جدّد أخيراً المحادثات السرية مع الرئيس السوري». وتابع الصحافي المقرّب من مكتب رئيس الحكومة إن أولمرت يمتنع في هذه الآونة عن «إشراك» وزيرة الخارجية تسيبي ليفني ووزير الدفاع إيهود باراك بـ«مضمون الرسائل التي تمرّ بوساطة تركية».
وكانت «يديعوت» قد نشرت في الربيع الماضي أن أولمرت بعث برسالة إلى الأسد بواسطة رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان، أوضح فيها للرئيس السوري أنه «يعرف ثمن السلام مع سوريا (اعادة الجولان كاملاً)، ومستعدّ لدفعه».
وقالت الصحيفة، أمس، إن أولمرت طلب من السوريين في المقابل قطع العلاقات مع إيران، وكذلك طالب بوقف دعم السوريين لما يسمّى «الإرهاب». وأضافت أن الرسائل الإسرائيلية التي بعثت خلال الربيع الماضي لم تؤدّ الى نتيجة تذكر، الى حين التوتر الذي ساد الحدود الشمالية الصيف الماضي بعد الغارة الإسرائيلية على الأراضي السورية في السادس من أيلول الماضي.
وأضافت الصحيفة أن «الاتصالات السرية تجددت»، ويكتفي اولمرت في هذه المرحلة بالتلميح اليها، ولا سيما أول من أمس، حين سئل في جلسة مع لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست إذا كان يقيم اتصالات مع السوريين، فقال «أنا لست مجبراً على إبلاغكم كل شيء أفعله»، مضيفاً «هناك أناس يتحدثون ولا يفعلون، وهناك من يفعل ويتحدث، وهناك من يفعل ولا يتحدث».
ونقلت الصحيفة عن جهات سياسية إسرائيلية قولها إن رئيس الحكومة الإسرائيلية ينوي «التفاض مع سوريا بموازاة التفاوض مع الفلسطينيين، وليس بدلاً منه».
في المقابل، كشفت «يديعوت» أيضاً عن أن وزير الدفاع الإسرائيلي عيّن قائد شعبة الاستخبارات العسكرية السابق، اللواء في الاحتياط اوري ساغي، «منسقاًَ لمشروع التفاوض مع سوريا». ورأى مراقبون إسرائيليون أنَّ هذه الخطوة قد تؤدي إلى خلاف آخر بين باراك وأولمرت، بعد سلسلة من الأجواء المشحونة، التي سادت بين الاثنين أخيراً.
وكشفت مصادر «مطلعة»، لـ«يديعوت أحرونوت»، عن أن باراك أوكل إلى ساغي الاطلاع على كل «المواد الاستخبارية الحساسة الواصلة الى وزارة الدفاع» وصوغ توصيات تقدم في النهاية الى باراك حول تجديد المفاوضات السياسية مع السوريين.
وذكرت الصحيفة أنّ أولمرت ومساعديه «فوجئوا» عند سماعهم بـ«المبادرة الشخصية» التي يقودها وزير الدفاع، وخصوصاً أنه سيرشح نفسه لمنصب رئيس الحكومة في الانتخابات المقبلة. وقال أولمرت إنه «لا يعلم بالموضوع أبداً». وأوضح مستشاروه أن تعيين قائد مشروع لا يندرج ضمن صلاحيات وزير الدفاع.
وقالت «يديعوت» إن اختيار ساغي تمّ من «كبار المطلعين على الموضوع السوري بجوانبه المتعددة»، ولا سيما أنه كان عضواً في طاقم التفاوض مع السوريين في عهد رئيس الحكومة الإسرائيلي الأسبق اسحق رابين. وكان قد «التقى مع قائد هيئة الأركان السوري حكمت الشهابي والسفير السوري لدى الولايات المتحدة في حينه وليد المعلم».
وكان ساغي قد صرح في السابق بأن «رابين و(الرئيس السوري الراحل حافظ) الاسد أضاعا فرصة التوصل الى سلام». وكان باراك قد عيّن ساغي، عند توليه مهمات رئيس الحكومة، مسؤولاً عن الملف السوري. وفي كانون الثاني من عام 2000، رافق ساغي باراك إلى محادثات السلام في الولايات المتحدة.
وذكر الموقع الإلكتروني لصحيفة «يديعوت» أن باراك يدعو إلى صياغة مبادرة إسرائيلية للسلام تتضمن المسار السوري، بدلاً من الانجرار «وراء خطوات ومبادرات ليست مريحة لها، مثل المبادرة العربية». وقال لمقربين منه «يجب اعادة النظر بسؤال التفاوض من اجل السلام مع سوريا. من الممكن أن علينا تغيير المسلك، فمن شأن تغيير كهذا أن يحقّق لإسرائيل نتائج جيدة وغير متوقعة»، مشدداً على ضرورة «فحص هذه الإمكانات بالنسبة إلى الأردنيين والفلسطينيين وكل دولة عربية».
وأوضح باراك «مع السوريين الثمن معروف والنتائج مهمة». وبحسب ما قاله باراك «فإنَّ الاتصالات مع الفلسطينيين، منذ 15 عاماً، تتم مع الطاقم نفسه، ومطالبهم من اسرائيل تتغير بحسب مصالحهم».
وفي حديث للإذاعة الإسرائيلية أمس، أكد باراك أن مشاركة الجانب السوري في اجتماع انابوليس «يمكن أن تكون أمراً إيجابياً ومنشوداً». وأضاف «إذا جرت كل هذه الأمور في شكل جيد فيمكن أن تؤدي في اللحظة المناسبة إلى البدء بمفاوضات مع السوريين». وتابع أن «موقفاً محترماً حيال سوريا ومصالحها وقيادتها يمكن أن يسهّل فتح قناة مفاوضات، لكن الكلام الكثير لن يسهم أبداً في هذا الاتجاه».
وفي السياق نفسه، رأى وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي أفي ديختر أن «بالإمكان بدء عملية مفاوضات سلام مع سوريا لكن الأمر منوط بالولايات المتحدة». وقال لإذاعة الجيش الإسرائيلي، إن «سوريا هي الدولة الأكثر واقعية التي بالإمكان التوصل إلى عملية مفاوضات سلام معها، لكن في نهاية المطاف، فإن خطوات أميركية هي التي ستحدّد ذلك».
بدوره، أبدى وزير البنى التحتية بنيامين بن اليعزر استعداده للتفاوض مع السوريين «شرط أن يكونوا جديين ومستعدين لحل المسائل». وأضاف «أنا أقول دائماً إنني على استعداد للجلوس مع حزب الله وسوريا وحماس وكل من يعترف بحقي في دولتي اليهودية».