معاريف ــ حاييم شاين
مؤتمر أنابوليس (الذي لسبب ما يذكّرني بالبعوضة التي تسبّب الملاريا) هو الثمن السياسي الأكبر الذي تضطر دولة إسرائيل الى دفعه عقب الفشل في حرب لبنان الثانية. الحرب التي ستُذكر إلى الأبد بوصفها نقطة الانعطاف في المكانة السياسية والعسكرية لدولة اسرائيل في الشرق الأوسط؛ فإسرائيل التي كانت مرتكزاً هاماً وأساسياً في حسابات الولايات المتحدة في كل ما يتعلق بسلوكها في منطقتنا، فقدت مكانتها في أعقاب الفشل في الحرب. فقد ظهرت إسرائيل في حرب لبنان نمراً من ورق ودعامة متهاوية. الأميركيون أحياناً سذّج، ولا سيما في كل ما يتعلق بالتزامهم الديموقراطية اليهودية، ولكن لا يمكن خداعهم لأكثر من مرة واحدة.
فهمت الولايات المتحدة أن الدعم المكثف لدولة إسرائيل، في أثناء حرب لبنان الثانية، والضوء الأخضر الذي أعطتها إيّاه لتحطيم محور سوريا ـــــ حزب الله، جبى منها ثمناً باهظاً جداً على المستوى الدولي؛ فقد وضعت الولايات المتحدة مكانتها ومقدّراتها الدولية في مصلحة اسرائيل. من ناحية الولايات المتحدة، كان الحديث يدور عن رهان آمن. أما إسرائيل، فلم توفّر البضاعة التي أمَلتها الولايات المتحدة، وعليها أن تدفع الآن ثمن الفشل بفائدة مضاعفة. الولايات المتحدة، المتورطة في أماكن عديدة في العالم، لا يمكنها أن تسمح لنفسها باختيار شريك غير مناسب. الثمن ليس إدارة ظهر المجنّ من جانب الولايات المتحدة عبر تحوّلها إلى دعم الفلسطينيين والميل الواسع نحو سوريا. إسرائيل في ذروة ضعفها في الداخل وفي الخارج، تتعرض للضغط من الأميركيين وهي ستدفع بالضحايا وبالأرض ثمن الفشل في الحرب.
لجان التحقيق التي حققت في حرب لبنان شُغلت بقدر قليل للغاية بمسؤولية القيادة السياسية والعسكرية عن فحص المكانة السياسية لإسرائيل وفقدان قدرة ردعها. فقدان قدرة الردع الذي بدأ بالخروج العاجل من لبنان، تواصل من خلال صمت الخراف الذي مارسته حكومات إسرائيل حيال الأحداث على حدود القطاع وسديروت، وبلغ ذروته ببضع مئات من القتلى من حزب الله هزموا بالعار جيشاً هو الأكثر تجهيزاً بالوسائل القتالية لكنه غير مجهّز بالتصميم والدافعية.
الولايات المتحدة، في هذه الأيام بالذات، تفرض على دولة اسرائيل واقعاً جغرافياً سياسياً وأمنياً لا يمكنها أن تحتمله على مدى الزمن. اليأس والاكتئاب نتيجة الفساد وفقدان السبيل سيكونان لا شيء في مقابل ما ينتظر المجتمع الإسرائيلي من العودة الى حدود 1967 ومن التنازلات في القدس وفي يهودا والسامرة. حكومة اسرائيل المقودة نحو الخضوع والانصياع تحاول مواجهة الضعف بأيديولوجيا السلام وضمان وجود دولة إسرائيل كدولة يهودية وديموقراطية. لقد سبق لنا أن شاهدنا هذا الفيلم. الفيلم الذي انتهى بسفك الدماء. الرئيس شمعون بيريز يعود مرة أخرى ليبيع البضاعة المستعملة للشرق الأوسط الجديد. أولمرت وباراك يتنافسان بينهما لمن يتنازلان بدايةً: للفلسطينيين أم للسوريين. كابوس يتكرر المرة تلو الأخرى.
اليمين في إسرائيل مشلول. منذ وسموا جبينه بالمسؤولية عن اغتيال رابين الراحل، لا ينجح في رفع الرأس. اليسار، كالمعتاد، ينثر الأوهام ويصفق لنفسه، في أنه فقط إذا ما تنازلنا عن حائط المبكى سيحل السلام المنشود. وأبو مازن يفرك يديه متعة وينقل إلى إسرائيل رسالة واضحة بأن عاصمة فلسطين هي القدس.
تماسك المجتمع الإسرائيلي آخذ بالتبدد. إسرائيل اليوم في خطر وجودي وليس هناك من يرفع العلم، قبل لحظات من دخول الدولة غمامة لا يمكن تقدير نتائجها.