هآرتس» ــ افتتاحية
بلهجة حادة أكثر من أي وقت مضى، حذر رئيس الولايات المتحدة جورج بوش من أن وجود سلاح نووي بيد إيران من شأنه أن يؤدي الى «حرب عالمية ثالثة». في خطابه يوم الأربعاء الماضي، شرح بوش أن الخطر الإيراني يكمن في رغبة زعيم إيران في إبادة اسرائيل، ولم يتطرق أبداً الى تهديدات أخرى تنبع من سعي إيران الى السلاح النووي، مثل الهيمنة على منطقة الخليج والمس بتوريد النفط الى الغرب، وإنشاء دولة شيعية تابعة في العراق، وتشجيع الإرهاب والتآمر ضد حكومات عربية معتدلة.
أقوال بوش تمنح فرصة طيبة لإعادة التفكير في السياسة الاسرائيلية إزاء التهديد الإيراني. رئيسا الوزراء الأخيران، أرئيل شارون وإيهود أولمرت، تبنّيا سياسة «البقاء في الظل»، ودأبا على تكرار القول إن «إيران هي مشكلة دولية وليست إسرائيلية». في أساس هذه السياسة، كان التقدير أن من غير المجدي لإسرائيل أن تبدو متصدية للصراع ضد إيران. سلاح نووي إيراني سيعرّض العالم بأسره للخطر، وسياسة اسرائيلية صاخبة كفيلة بأن تجعل المشكلة مواجهة ثنائية بين إيران وإسرائيل، فتحرر بذلك القوى العظمى والأسرة الدولية من مسؤوليتها عن إحباط التهديد.
عليه، فقد حاولت إسرائيل السير بين النقاط، فلا تصمت تماماً، خشية أن يُفسر الصمت تسليماً بالبرنامج النووي الإيراني، وتتمنّع عن قرع أجراس الإنذار، خشية أن يتعاطى «العالم» مع الموضوع كمشكلة إسرائيلية منفردة. هذا النهج كان منطقياً، ما دامت الأسرة الدولية مجنّدة للجهود الدبلوماسية ضد إيران. الاتفاق الذي حققه الأوروبيون لتجميد تخصيب اليورانيوم في إيران والعقوبات التي فرضها مجلس الأمن على الإيرانيين رداً على خرقها، كانت خطوات في الاتجاه الصحيح. وإن الجهود التي قادها الأميركيون لمقاطعة المنظومة المصرفية في إيران أعطت ثمارها،
ولكن في الأشهر الأخيرة ساءت صورة الوضع الدولي. الإيرانيون لم يرتدعوا من العقوبات وهم يواصلون تخصيب اليورانيوم. وتوصلت الوكالة الدولية للطاقة الذرية الى اتفاق مخجل مع إيران، أتاح لها مواصلة المشروع. روسيا والصين تعارضان بحزم تشديداً إضافياً للعقوبات، وارتفاع أسعار النفط حتى 90 دولاراً للبرميل يملأ الصندوق الإيراني بالسيولة النقدية ويضع قيد الشك فرص الضغط الاقتصادي. الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، يواصل خطابات التحريض ودعواته لتصفية اسرائيل ويتمتع بشرعية متزايدة.
في هذه الظروف، لم يعد هناك مجال لهمس اسرائيلي على أمل أن يعالج «العالم» المشكلة. على اسرائيل أن توضح بصوت جلي وعالٍ مخاوفها وتصميمها على عدم العيش في ظل القنبلة الإيرانية. ومن اللحظة التي عرض فيها بوش قلقه على اسرائيل في رأس المبررات للتصدي لإيران، كان على اسرائيل أن تخرج من المخبأ وأن توضح موقفها علناً. رحلات أولمرت ووزيرة الخارجية تسيبي ليفني الى عواصم الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن لبحث التهديد الإيراني ومنعه، هي خطوة أولى وجديرة في هذا الاتجاه.