هآرتس ــ دان شيفتان
تقدير احتمالات نجاح مؤتمر أنابوليس يستوجب إدراك ماهيته وجوهره. هذا اللقاء ليس مباحثات إسرائيلية ـــــ فلسطينية حول مسار التسوية الدائمة، بل قضية أميركية تتعلق باستعداد إسرائيل لمساعدة (الرئيس جورج) بوش في ضائقته السياسية قُبيل الوصول إلى نقطة الحسم في مواجهة إيران.
ليست هناك «نافذة فرص» في الساحة الفلسطينية. محمود عباس وسلام فياض يتحفظان حقاً من الإرهاب، ويريدان رفاهية الفلسطينيين، إلا أنهما غير قادرين على فرض إرادتهما على شعبهما. المشكلة لا تنحصر بين «حماس» القطاع و«فتح». فياض وعباس عاجزين في الضفة حتى داخل حركتهما نفسها (بما في ذلك زعران «كتائب شهداء الأقصى»).
ليس الشلل قائماً في الإطار السياسي وحده. المجتمع الفلسطيني هو الآخر موجود في عملية انفراط متقدمة. القائدان الفلسطينيان لا يستطيعان تقديم شيء في مسألتين حاسمتين تستوجبان الاهتمام الفلسطيني: الأمن لإسرائيل والشرعية. إذا حاولا فرض إرادتهما على الإرهابيين، فسيكون مصيرهما محتوماً، وإذا حاولا الدعوة إلى إضفاء الشرعية على الدولة القومية اليهودية والتراجع عن مطلب «العودة» لإسرائيل، فسيفقدان ما بقي من شرعيتهما ذاتها. اقتراحات إسرائيل السخية لا تعزز مكانتهما لأن التسوية التي تعتمد عليها ستعتبر خيانة في نظر الأطراف التي تحدد جدول الأعمال الفلسطيني. أبو مازن هو شريك وهمي.
إيهود أولمرت يعرف ذلك. رئيس الوزراء ليس محللاً للواقع السياسي، بل هو صانع له. عندما يقول إن لدى إسرائيل شريكاً للمفاوضات، فهو لا يقوم بتحليل نيات أبو مازن وقدراته، بل يتحمل مسؤوليته الجماهيرية في سياق أوسع: سعيه لرعاية التفاهم مع الرئيس بوش في قضية تسلح إيران الوجودية.
بوش يرزح تحت الضائقة في بيته الداخلي وفي الساحة الدولية. الرئيس يرى أن تسلح إيران النووي خطر على السلام الدولي وعلى مصالح بلاده الحيوية، ويبحث عن طريقة للقضاء عليها. هو بحاجة ماسة إلى الدعم الدولي والتفاهم مع الأطراف التي تتحلى بالمسؤولية في العالم العربي، ويعتقد أن محاولة التوصل إلى تسوية بين إسرائيل والفلسطينيين ستسهل على الولايات المتحدة إقامة تحالف واسع في الكفاح ضد إيران.
البيت الأبيض أيضاً يعرف أن الفلسطينيين يفتقدون للقيادة والشعور بالمسؤولية، وليسوا ناضجين تاريخياً. الرئيس لا يوهم نفسه بإمكان جلب السلام الآن إلى المنطقة. أهدافه متواضعة وأكثر واقعية: البرهنة على أن إسرائيل والولايات المتحدة قد حاولتا بجدية الدخول في عملية إقامة الدولة الفلسطينية. بوش، خلافاً لـ(وزيرة خارجيته كوندوليزا) رايس الساعية إلى إحداث انطلاقة، يسعى إلى البرهنة أن محاولة دفع التسوية كانت جدية.
هذا هامش مناورة أولمرت. بإمكانه إرضاء رغبة بوش من خلال الكشف الحذر للمواقف المرنة المقبولة عليه أصلاً رغم أنه يعرف أن الفلسطينيين سيردون عليه بتمترسهم العادي وراء المواقف القصوى التي تُفشل التسوية. هو لا يتحدث أصلاً مع رام الله، بل مع واشنطن. لتحركاته أهداف سياسية داخلية تسعى بالأساس لوضع المصاعب أمام حزب العمل حتى لا يغادر الحكومة بذريعة إضاعة الفرصة لتحقيق السلام وبلورة أجندة لـ«كديما» الذي فقد مشروع الانطواء (في الضفة الغربية) كجدول أعمال سياسي.
بقي لمن يتذكر دروس أوسلو أن يأمل ألا يصاب إيهود (باراك) بالنشوة من بشائر أولمرت حول وجود شريك فلسطيني، هناك حاجة إلى ملصق تحذيري يكتب عليه: «للاستخدام الخارجي فقط» ليوضع على زجاجة عطر «عطور السلام». في غياب الشريك الصادق، عما قريب لن يكون أمام إسرائيل مفر من الانسحاب من غالبية الضفة والأجزاء العربية من القدس بالطريقة الأحادية الجانب التي لم تعد تحظى بالشعبية في نظر الناس اليوم. هذا الأمر ليس مطلوباً لإرضاء الأميركيين ولا لمصلحة الفلسطينيين بالتأكيد (الذين لا يمكن إرضاؤهم)، بل من أجل المجتمع الإسرائيلي حتى يجذر مشروعه الصهيوني في دولته القومية ذات الغالبية اليهودية الراسخة.