معاريف ــ عاموس غلبوع
يوجد اليوم توافق في الرأي على أن روسيا بوتين، التي استقرت داخلياً وتزدهر اقتصادياً في السنوات الأخيرة، تبحث عن استعادة كرامتها الوطنية التي كانت قد أُهينت في أعقاب تفكك الاتحاد السوفياتي في بداية التسعينيات، وأن تعيد التموضع على المسرح العالمي كقوة عظمى مؤثرة حيال الولايات المتحدة. عليه، وضمن أمور أخرى، تدعم موسكو إيران وتُفشل الجهود الأميركية ضدها، وتبدأ بتنفيذ طلعات لطائرات استراتيجية بعيدة المدى نحو الدول الغربية، تهدد وتهين وزيرة الخارجية الأميركية وغير ذلك. وفي الوقت نفسه، يبدو أن هناك اتفاقاً على أنه الى جانب الكرامة الوطنية، يحرك روسيا أيضاً الخوف الكبير من المس بأمنها القومي. يُخيّل أن هذه النقطة تستوجب بعض التفسيرات من أجل الفهم الأفضل للمسألة الروسية والمسألة الإيرانية.
يدور الحديث عن إطارين من الأمن القومي: الأول يتناول ثلاثة اتفاقات موقّعة بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة والأطلسي في نهاية الحرب الباردة تقرر المكانة الاستراتيجية لروسيا حيال واشنطن. الاتفاق الأول (وُقّع في تموز 1991) حصر عدد الصواريخ العابرة للقارات، ومن حق القوتين العظميين الاحتفاظ به. هذا الاتفاق، الذي صُفّي في أعقابه نحو 80 في المئة من الصواريخ لدى الدولتين، يوشك على الانتهاء في 2009. الروس معنيون باستئنافه، ولكن الأميركيين أوضحوا منذ الآن أنه ليس لديهم أي مصلحة في تجديده. الاتفاق الثاني (وُقّع في عام 1987، وبدأ تنفيذه عام 1991) قضى بأن تدمر القوتان العظميان كل الصواريخ الموجودة في حوزتها، التي يراوح مداها بين 500 و5500 كيلومتر، والتي تطلق من البر. الروس معنيون بإلغاء هذا الاتفاق، بل وهددوا بفعل ذلك من طرف واحد. أما الأميركيون فغير معنيين (إذ إن صواريخهم الجوالة لم تدمر، لأنها تطلق من البحر لا من البر). الاتفاق الثالث (وُقّع في عام 1990) كان بين الاتحاد السوفياتي ودول حلف وارسو (تشيكيا وهولندا وبلغاريا وألمانيا الشرقية وهنغاريا وألبانيا) من جهة، وحلف الأطلسي من جهة أخرى. وقضى الاتفاق بتقليص القوات التقليدية التي يحتفظ بها كل طرف من الطرفين في أوروبا، وتحديد سقف لأنواع السلاح المسموح الإبقاء عليها هناك. روسيا لديها مصلحة أكيدة في تغيير أو إلغاء الاتفاق (وقد هددت بذلك مع نهاية عام 2008)، وذلك أن كل دول حلف وارسو (باستثناء ألمانيا) توجد اليوم في الأطلسي، فيما لم تعد دول البلطيق جزءاً من روسيا. أما الأطلسي فيضع العقبات.
الإطار الثاني يتعلق بخطوات تعتبرها روسيا امتداداً أميركياً داخل مجالات استراتيجية كانت للاتحاد السوفياتي. يدور الحديث عن أوكرانيا التي بدأت منذ «الثورة البرتقالية» تنتهج سياسة مؤيدة لأميركا ومعنية بالانضمام الى الأطلسي. ويتصل الأمر أيضاً بجورجيا التي تنتهج أيضاً سياسة مؤيدة لأميركا، إضافة إلى القرار الأميركي بنصب شبكة مضادة للصواريخ في تشيكيا وبولندا، تعتبرها روسيا تهديداً مباشراً لها، وإن كانت مخصصة لأن تتصدى في المستقبل لصواريخ إيرانية.
روسيا بوتين معنية بالتفاهم مع واشنطن على مجمل هذه النقاط أو على بعضها، وقبل كل شيء على نصب الدرع الصاروخية. التقدير هو أن ورقة المساومة الأساس بيد روسيا هي إيران. ثمة شك في أن تكون روسيا ترغب في إيران نووية على حدودها الجنوبية، ولكن حالياً يخيل أن ما يهمها هو أن تربح المال من إيران وأن تستغلها لابتزاز واشنطن.
أين اسرائيل في هذه اللعبة الدولية؟ هي لاعب، ليس كبيراً بالطبع على لوحة الشطرنج العالمية، أولاً وقبل كل شيء لأن اللاعبين الرئيسيين يقدرون بأن لديها «صندوق ذخيرة» استراتيجياً، في ظروف معينة لا يمكن منعها من استخدامه حيال إيران من أجل الدفاع عن وجودها. وعليه، تقديري هو أن للّاعبين مصلحة في منع نشوء مثل هذا الوضع (الذي من شأنه حسب بوش أن يؤدي الى «حرب عالمية ثالثة»)، بمعنى منع التحول النووي العسكري لإيران.