هآرتس ــ ألوف بن وشموئيل روزنر
تشغل القنبلة النووية الإيرانية بال المؤسسة الأمنية ـــــ الاستراتيجية في إسرائيل منذ نحو 15 سنة. ولكن فقط في السنة الأخيرة، وفي أعقاب فشل الجيش الإسرائيلي في المواجهة مع حزب الله، تراجع حضور إرهاب الانتحاريين الفلسطينيين وتهديدات الإبادة من جانب الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، وبدأ التهديد الإيراني يتسرب إلى الوعي الجماهيري، ويلعب في الاستطلاعات دور النجم، بصفته الخطر رقم واحد على إسرائيل. هذا التخوف لا يجد تعبيره حالياً في السلوك العلني للإسرائيليين: فأسعار العقارات في الذروة، وليس هناك معطيات عن موجة هجرة مضادة. في أقصى الأحوال، يتزوّد الإسرائيليون المتحدّرون من أصل أوروبي بجوازات سفر أجنبية كخطوة احتياطية، وليس واضحاً على الإطلاق إن كان هذا الميل يرتبط بالذات بالتهديد الإيراني.
الحكومة تعالج الموضوع الإيراني في الغرف المغلقة، وتقلّل من تصريحاتها بحجة أن «هذه مشكلة دولية لا إسرائيلية». في واقع الحال، لا يوجد جدال سياسي حقيقي بالنسبة لإيران. فحتى اليسار الأكثر تطرفاً، لم يقترح حواراً مع عدو مرير كأحمدي نجاد. وحتى اليمين يحذر من التنظير العلني لهجوم على المنشآت النووية الإيرانية. الجميع متحد في الدعوة إلى تشديد الضغط الدولي على طهران. الضغط الذي أدى حتى الآن إلى «بوادر» لا تزال المسافة طويلة بينها وبين النجاح.
لحظة الحسم
في قاعة «فيترمور سنتر أرينا» في جامعة نيوهمشاير، التي تحمل لقباً محلياً هو «فيت»، تجمّع الأسبوع الماضي المرشحون الجمهوريون لانتخابات الرئاسة في عام 2008، في مواجهة سياسية أولى في الخريف. ومع نهايتها، طُلب إليهم التصدي للسيناريو التالي: البرنامج النووي الإيراني يتقدم، مراقبو الأمم المتحدة يقولون إنه يقترب من إنتاج سلاح نووي، إيران تجمّد التعاون مع مؤسسات الرقابة الدولية، وتلقي بالمراقبين إلى الخارج وتواصل التغلغل داخل العراق، ومجلس الأمن يفرض عليها العقوبات، ولكنه لا يوافق على استخدام القوة. وإضافة إلى ذلك، تهديدات زعيم إيران بحق إسرائيل تصبح أكثر صراحة وحدة. «ماذا ستفعلون؟».
المشكلة مع السيناريو الذي تطرحه، أجاب السناتور سام براونبك، هي «أنه قريب جداً من الواقع. ما تصفه يتضمن الكثير مما يحصل اليوم». السناتور جون مكاين يتفق معه: «افتراضك يشبه الواقع أكثر بكثير مما يبدي الكثيرون الاستعداد للاعتراف به». على أي حال، من المشكوك فيه أن ينتظر حسم هذا الملف الرئيس مكاين أو براونبك أو رودولف جولياني، ولا حتى أياً من منافسيهم الديموقراطيين ممن يبدون في هذه اللحظة أصحاب فرصة أكبر للفوز في الانتخابات. الهدوء الجماهيري والتقدم البطيء لمهندسي المشروع النووي الإيراني أتاحا للسياسيين تأجيل الحسم غير مرة. ولكن في السنة المقبلة، وهي السنة الأخيرة لبوش في البيت الأبيض، سيصل الجلوس على الجدار إلى نهايته.
وحتى عندما يُخيّل أحياناً أن الرئيس الأميركي ليس أكثر من «بطة عرجاء» ـــــ وهكذا يبدو بوش منذ زمن بعيد ـــــ فللرئاسة الأميركية تقاليد عريقة تتعلق باتخاذ قرارات حاسمة في عام الانتخابات بالذات. وهذا يصح بالنسبة للقرارات المتعلقة بأميركا، وبقدر ليس أقل أيضاً بالنسبة للقرارات المتعلقة بإسرائيل. وهو يصح سواء كان هؤلاء رؤساء يتنافسون مرة أخرى مثل هاري ترومان، الذي اعترف بإسرائيل، أو رؤساء سينهون ولاياتهم مثل ليندون جونسون، الذي وافق على بيع طائرات «فانتوم»، ورونالد ريغان، الذي توجه للحوار مع منظمة التحرير الفلسطينية. وللتذكير، فإن الرئيس الحالي بعث بـ«رسالة بوش» الشهيرة لأرئيل شارون في آخر سنة له من ولايته الأولى قبل الانتخابات، في عام 2004.
ولكن المغلّف الذي سيفكر بوش بإرساله إلى إيران أثقل، ورسوم البريد ستكون أغلى. الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، الذي التقى بوش في إجازة صيف قصيرة اختار قضاءها في مكان غير بعيد من مزرعة عائلة بوش، شخّص على نحو سليم لحظة الحسم المقتربة. البرنامج النووي الإيراني، كما أعلن لدى عودته، هو المشكلة الدولية رقم واحد. وإذا كانت الأمور بالفعل تبدو هكذا من باريس المطمئنة، فلا بد أنها ستبدو كذلك أيضاً من إسرائيل المهدَّدة.
منذ وقف النار في لبنان، تستعد الساحة الدولية لمواجهة بين الولايات المتحدة وإيران ستقرر (نتائجها) من منهما ستكون القوة العظمى الرائدة في المنطقة. ومثلما قبل كل حرب كبيرة في التاريخ، هذه المرة أيضاً يعقد الطرفان الأحلاف. الإيرانيون مع سوريا وحزب الله وحماستان في غزة، وبقدر أقل وثاقة مع روسيا. الأميركيون مع السعودية ومصر والأردن والإمارات و«فتح» في الضفة الغربية وإسرائيل. الأحلاف تجد تعبيرها في توريد السلاح والمساعدات العسكرية بكميات هائلة، وبتنسيق تنفيذي متعاظم بالنسبة لإيران وحلفائها، وبمحاولة إحياء المسيرة السلمية بين إسرائيل والعرب بالنسبة لأميركا.
حشد القوى بحد ذاته لا يدل على أن الحرب محتمة. يمكنه أن يؤدي بالذات إلى تعزيز الردع وخلق «حرب باردة» في الشرق الأوسط، تجد تعبيرها في الصراع على مناطق النفوذ والحروب من خلال الفروع، مثل حرب لبنان الثانية، وسيطرة «حماس» على غزة، وربما أيضاً الحدث الذي حصل في سوريا الأسبوع الماضي.
بوش سيضطر إلى اتخاذ قرار في ما إذا كان عليه أن يلقي بقوته المتلاشية في المعركة الأخيرة على إيران أم إضاعة الوقت في مداولات دبلوماسية عقيمة، ونقل المشكلة إلى أعتاب خليفته. مخاطر الهجمة على إيران هائلة. فطهران قوية بدرجة تكفي للرد والإيلام في أرجاء العالم. ثمة شك في أن يرغب الرئيس الجديد للولايات المتحدة في أن يلقي بنفسه في أتون حرب جديدة في الشرق الأوسط، وهذا سيكون السبب وراء تمكّن إيران من التمترس وراء مكانتها الجديدة باعتبارها الدولة النووية العظمى العاشرة في العالم، إذا خاف بوش ومنع العملية العسكرية.
في واشنطن، كُتبت تقديرات مفادها أن كثيرين آخرين سيحذون حذو إيران: تركيا ومصر والسعودية. نظام حظر نشر السلاح النووي سينهار، وخصوصاً في الشرق الأوسط، المنطقة التي توجد فيها علاقات بين دول ومنظمات مريبة، الأمر الذي قد يفضي إلى حدوث السيناريو النموذجي الذي يداعب الخيال في واشنطن: الذرة في خدمة الإرهاب.
تنظيم الصفوف
ماذا لو تردد بوش. هل ستهاجم إسرائيل إيران بنفسها؟ (إيهود) أولمرت صرّح بأن إسرائيل لن تتعايش مع إيران نووية، لذلك أوضح تمسكه بنظرية (مناحيم) بيغن، تلك النظرية التي اشتهرت إثر تدميره للمفاعل النووي العراقي في عام 1981 وطُبعت باسمه، ومفادها أن إسرائيل ستمنع بالقوة أطرافاً معادية في المحيط من الحصول على السلاح النووي.
أولمرت برهن من خلال خروجه إلى حرب لبنان الثانية والقرارات التي اتخذها بعدها، عن أنه لا يتردد في استخدام القوة، وخصوصاً إذا كان إلى جانبه وزير دفاع مُجرّب يتمتع بالفاعلية العالية مثل إيهود باراك. السؤال هو إذا كان هذا الإصرار كافياً عندما تكون الأهداف ذات العلاقة بعيدة وموزعة ومحصنة في مخابىء عميقة.
هناك عدد غير قليل من الخبراء والمسؤولين في إسرائيل، الذين لا يؤمنون بالحل القائم على القوة، ويقترحون تدارس استراتيجية الردع. أحمدي نجاد ورفاقه، بحسب رأيهم، يريدون القوة والتأثير، ولكنهم ليسوا مجانين ولن يتجرأوا على استخدام السلاح النووي. في المقابل، اعتاد رئيس الليكود، بنيامين نتنياهو، القول إن الإيرانيين سيوافقون على فقدان ملايين الناس في محاولة لتدمير المشروع الصهيوني.
في هذه الأثناء، لا يكمن إسهام إسرائيل الأساسي في بلورة الجبهة المناهضة لإيران في الجانب العسكري، بل في دفع المفاوضات مع الفلسطينيين إلى الأمام. إذا حكمنا وفقاً للتصريحات العلنية، يمكن التخمين أن بوش وأولمرت كانا سيتفقان على صفقة إخلاء المستوطنات وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، في مقابل إبادة المنشآت النووية الإيرانية. عوفره وبيت إيل في مقابل نتانز وأصفهان. مثل هذه الصفقة ستساعدهما في تبرير العملية. أولمرت سيقول للمستوطنين وأنصارهم إن هذا الثمن منطقي لإزالة الخطر الوجودي الإيراني. أما بوش فسيستطيع مواجهة منتقديه في أوروبا والعالم العربي عندما يطرح أمامهم إنجازاً هاماً فشل الآخرون في الطريق إليه، ولكن هذا ليس إلا وهماً وخيالاً. بوش وأولمرت لا يقودان العالم وحدهما، والواقع الذي يتحركان فيه أكثر تعقيداً.
وعلى الرغم من ذلك، أولمرت يسير في هذا الاتجاه، من خلال المباحثات التي يجريها مع (محمود) عباس بشأن صيغة إنهاء النزاع.
الموعد النهائي الذي حدده لهما بوش من خلال مؤتمر السلام في الخريف (أولمرت يصرّ على أنه لقاء وليس مؤتمراً) يلزمهما التوصل إلى «شيء ما». «حماس» ورفاقها سيحاولون بالطبع عرقلة ذلك من خلال العمليات أو تصعيد إطلاق صواريخ «القسّام»، الأمر الذي سيجر الجيش الإسرائيلي إلى غزة ويدفع العملية السياسية الحساسة إلى الانهيار.
عباس أبدى تجاهلاً لادّعاء سوريا بشأن اختراق طائرات سلاح الجو الإسرائيلي لأجوائها عندما وافق على الالتقاء بأولمرت الأربعاء في القدس، وأظهر أنه يفضل دفع التسوية مع إسرائيل على أن يظهر التضامن مع الدولة العربية التي تمنح المظلة لخصومه. ولكن هذه لفتة صغيرة، وسيكون من الملفت أكثر إذا خرجت السعودية عن خجلها التاريخي وأرسلت ممثلاً بارزاً إلى قمة واشنطن في تشرين الثاني حتى يقف إلى جانب أولمرت، ويمنح رعاية الملك عبد الله، خادم الحرمين والأماكن الإسلامية، لخطوات المصالحة مع إسرائيل. إذا حدث ذلك، وأولمرت يُقدّر حدوثه، فستحصل الجبهة المناهضة لإيران على تعزيز مهم. ولكن هذه أيضاً ستكون تذكيراً لبوش بأن القرار يقترب. السعودية مثل إسرائيل تماماً، لا تريد إيران النووية جارة لها.