«يديعوت أحرونوت» - البروفسور زكي شلوم
هاجمت المروحيات الإسرائيلية في 16 شباط 1992 قافلة سيارات في جنوب لبنان. في إحدى السيارات كان الأمين العام لحزب الله عباس الموسوي وزوجته وابنه البالغ من العمر ست أعوام وعدد من المرافقين. لقي الجميع حتفهم في هذا الهجوم. في البدء، كانت الخطة تستهدف خطف الموسوي في إطار الجهود المبذولة لإعادة ملاّح الجو الأسير رون أراد الى البلاد. لكن تبين بسرعة أن الخطف ليس عملياً، لذلك قرر رئيس الأركان إيهود باراك تصفيته. اعترفت إسرائيل بأنها تقف خلف الهجوم. واحتل مكان الموسوي بسرعة رجل الدين الشاب الذي يحمل اسم حسن نصر الله.
إيران ترى نفسها أنها الراعية لحزب الله، ولا يمكنها ألا تعدّ عملية الجيش الاسرائيلي تحرشاً وتحدّياً لها. لذلك قررت إيران، وبالتأكيد بعد مشاورات مع حلفائها سوريا وحزب الله، تبنّي تنفيذ رد تصعيدي. في السابع عشر من آذار 1992، أي بعد أسابيع معدودة من اغتيال الموسوي، نفذت عملية قاسية ضد سفارة إسرائيل في الأرجنتين. قتل في هذه العملية 29 شخصاً وجرح أكثر من 240.
في 21 أيار 1994، خطفت وحدة من الجيش الاسرائيلي مصطفي الديراني. بحسب المعلومات التي كانت في حوزة إسرائيل، كان الديراني آخر من احتجز رون أراد في لبنان، وكان يتولى رئاسة منظمة إرهابية صغيرة تمتاز بعلاقات مع إيران (المقاومة المؤمنة). وفي 2 حزيران 1994، هاجمت طائرات سلاح الجو قاعدة تدريب لحزب الله بالقرب من عين دردرة القريبة من الحدود السورية. وحصل هذا الهجوم في وقت كان يؤدي فيه الشيعة في المدن الرئيسية في لبنان مراسم عاشوراء. وبحسب المعلومات، قتل في هذا الهجوم نحو 50 مخرباً وأصيب العشرات. إذاعة حزب الله وصفت الهجوم بالبربري وتوعدت برد شامل وعلى كل المستويات.
بعد شهرين من ذلك، في 18 تموز 1994، حصل انفجار في مبنى الجالية اليهودية في بيونس أيرس، وقتل نتيجته 86 شخصاً كانوا في المبنى أو بالقرب منه، وأصيب نحو 240 شخصاً آخرين. القسم الأكبر من المبنى تدمر، كذلك أحدث الانفجار أضراراً شديدة في الأبنية المجاورة. أيضاً في هذه الحادثة ذهبت الآثار باتجاه إيران.
هذان الحدثان يجب أن يقفا أمامنا في اللحظة التي نقرأ فيها العملية التي نفذتها إسرائيل في سوريا الأسبوع الماضي. بخصوص تفاصيل هذه العملية، لا يزال يُفرض تعتيم شديد. لكن من الواضح أن طائرات سلاح الجو اخترقت عمق المجال الجوي السوري، ونفذت عملية هجومية. هذه المرة، خلافاً للمرات السابقة، أظهرت القيادة في إسرائيل حسّاً راشداً وحكيماً وامتنعت عن التبنّي المباشر للحادثة، وامتنعت أيضاً عن التصريحات العنترية. لكن إشارات الفرح والارتياح في أوساط متخذي القرار في إسرائيل من الصعب إخفاؤها. حتى هذه الساعة، اختارت سوريا الامتناع عن الرد الملائم على عملية الجيش الاسرائيلي.
لكن ثمة خشية من أننا نميل في نشوة النصر الى تجاهل احتمال الرد الإيراني. في الوقت الذي يمكن أن تنكفئ فيه سوريا وتتجاوز الحدث، يصعب أن تتصرف إيران بهذه الطريقة. تجربة الماضي تدل على وجود احتمال عال بأن إيران لا يمكن أن تمر مرور الكرام على عملية كهذه من إسرائيل، وأنها ستجد الطريقة للرد بعملية لا تترك مجالًا للشك بمن يقف خلفها، حتى وإن امتنعت عملياً عن تبني المسؤولية.
إن صدقية إيران بصفتها حليفاً لسوريا هي الآن على المحك. سبق أن أوضحت قيادتها أنها ملزمة بالدفاع عن سوريا إذا تعرضت الأخيرة لهجوم إسرائيلي. وهنا يجب على إيران أن تنفذ هذه التصريحات من أجل أن تبقى حليفتها سوريا مستقرة. إذا امتنعت إيران عن الرد، ستفهم سوريا، وربما أيضاً حزب الله، أن إيران لا يمكن الاعتماد عليها، ومن شبه المؤكد أنها ستبذل كل ما في وسعها حتى لا تلتصق بها هذه الصورة.