محمد بدير
«يديعوت»: سوريا تمتلك شبكة من المضادات الأرضية هي الأشدّ كثافة في العالم

إذا كان الحديث عن عمليات التسلح وتنامي القوة التي يخوضها الجيش السوري أشبه بوجبة يومية على مائدة وسائل الإعلام الإسرائيلية، فإن وجبة أمس خُصصت لمنظومات الدفاع الجوي التي بلغت من حيث كثافة انتشارها وحداثة أسلحتها حدّاً سيجعل «مهاجمة أهداف سورية، عندما يضطر طيارو الجيش الإسرائيلي إلى ذلك، أمراً أكثر تعقيداً من ذي قبل».
فتحت عنوان «السور الواقي لـ(الرئيس السوري بشار) الأسد» تناولت صحيفة «يديعوت أحرونوت» في عنوانها الرئيس منظومة الدفاع الجوي السورية، مشيرة إلى أنها تشتمل على «شبكة من المضادات الأرضية هي الأكثر كثافة في العالم». وأوضحت الصحيفة أن بعض التقديرات تفيد بأن السوريين يمتلكون أكثر من 200 بطارية مضادة للطائرات من أنواع مختلفة.
ولعل أكثر ما يقلق إسرائيل، ليس شبكة المضادات الأرضية هذه، بل «استمرار التسلح السوري بمنظومات روسية»، بينها، وفقاً لمصدر عسكري إسرائيلي، صواريخ أرض ـــــ جو تُعد «الأكثر تطوراً من نوعها في العالم». وبحسب الصحيفة، فإن هذه الصواريخ هي «الصيحة الأخيرة في تكنولوجيا إسقاط الطائرات، وبعضها اختطف من خطوط الإنتاج حتى قبل أن يدخل الخدمة العملياتية في روسيا أو في أي مكان آخر».
ورأت «يديعوت» أن مسعى التسلح السوري المذكور يأتي ضمن سياق الجهود الكبيرة التي تبذلها دمشق لتأمين الرد على تفوق سلاح الطيران الإسرائيلي، خاصة أن الجهات المختصة في سوريا درست، وفقاً لمصدر عسكري إسرائيلي، أداء سلاح الجو في عدوان تموز الأخير، وقررت بناء على ذلك تخصيص مبالغ مالية ضخمة من أجل شراء منظومات الأسلحة المضادة، لا سيما تلك المخصصة لحماية المنشآت الاستراتيجية.
وخلصت الصحيفة إلى الاستنتاج أن سباق التسلح الذي تخوضه دمشق، خاصة في مجال السلاح المضاد للطائرات، هو أحد الدلائل البارزة على الاستعداد السوري لمواجهة محتملة مع اسرائيل.
وفي السياق، كشفت الصحيفة عن مذكرة يعدّها حالياً معهد أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة حيفا وتحمل عنوان «تعاظم الجيش السوري». وتخصص الوثيقة فصلًا للحديث عن الدفاعات الجوية في الجيش السوري يعرض آخر التطورات التي أدخلت إلى هذا السلاح. ويوضح كاتب الفصل، يفتاح شابير، أن صفقات الأسلحة المضادة للطائرات التي تم التوقيع عليها بين سوريا وروسيا تشمل منظومات صواريخ «ستريلتس أس إي 24»، وهي مركبة خفيفة مدرعة تحمل أربعة صواريخ «إيغلا أس»، وهي صواريخ كتف تعدّ الأكثر تطوراً في أسواق السلاح. كذلك امتلكت سوريا، وفقاً لشابير، ما بين 36 و50 منظومة «بانتسير أس ـــــ 1 (أس إي 22)»، وهي منظومة تجمع ما بين الصواريخ والمدافع، استكمل تطويرها أخيراً، وتتألف من مركبة تتحرك بسرعة مع منصة إطلاق لـ 12 صاروخاً، يزن كل واحد منها 65 كيلوغراماً، ويحمل رأساً متفجراً تصل زنته إلى 16 كيلوغراماً.
وبالتوازي، بحسب الصحيفة، قامت سوريا بإعادة تحديث منظومات الصواريخ المضادة للطائرات الموجودة بحوزتها، من طراز «إس إي 3» و«أس إي 6».
وبموجب وثيقة «معهد أبحاث الأمن القومي»، فإن السوريين معنيون بامتلاك منظومات دفاعية جوية بعيدة المدى من طراز «أس 300»، بالإضافة إلى منظومات دفاعية متوسطة المدى من طراز «أس إي 11» و«أس إي 17». وتعدّ صواريخ «أس 300» من أكثر الصواريخ التي يستخدمها الجيش الروسي تطوراً، وهي قادرة على إسقاط طائرات عن بعد عشرات الكيلومترات وبدقة بالغة، وذلك بفضل جهاز الرادار المتطور المدموج مع مجسات خاصة على هيكل الصاروخ نفسه.
وفي السياق، تطرق محلل الشؤون الاستخبارية في «يديعوت»، رونين بيرغمان، إلى القصور الاستخباري الذي تعانيه إسرائيل في سعيها إلى تحليل النيات الحقيقية لسوريا بشأن الحرب. وشدد بيرغمان على حاجة إسرائيل، أكثر من أي وقت مضى، إلى «عملاء قمة» في دائرة صنع القرار السورية، ليس فقط من أجل الحصول على «معلومات فنية تتعلق بحجم القوات والقدرات والتسليح، بل للوقوف أيضاً على نيات الحاكم».
وإذ رأى الكاتب أن مرور الجيش السوري بعملية تغيير جوهرية أمر مسلّم به، فإن السؤال الذي يفرض نفسه، بناء على ذلك، هو «ما هي طبيعة هذا التغيير وإلى أين يتجه بشار الأسد». وأشار بيرغمان إلى تواصل السجال بين شعبة الاستخبارات العسكرية و«الموساد» وداخلهما في هذا الشأن. ويقف على طرفي السجال رأيان، يفسر الأول التغيير الذي يمر به الجيش السوري بأنه «ليس أكثر من تعزيز للدفاع وعرض للعضلات وتحسب لهجوم إسرائيلي مفاجئ». أما الثاني فيعتقد بأن سوريا تفكر بجدية بشن هجوم على إسرائيل، ويستشهد على ذلك بتعزيز السوريين لوحدات الكوماندوس لديهم. كذلك يستدل أصحاب الرأي الثاني، المتخوف من مبادرة هجومية سورية، بالارتفاع الكبير الذي سُجل في العام الأخير في عدد رعاة الغنم والمزارعين والمجانين الذين ألقت قوات الاحتلال الإسرائيلي القبض عليهم في منطقة الجولان، وادعوا بأنهم «اجتازوا خطأ» الحدود من سوريا. وتفسر المحافل الاستخبارية الإسرائيلية هذا الأمر على أنه دوريات مبرمجة لجمع المعلومات الاستخبارية.
ويوضح بيرغمان مردّ القلق الإسرائيلي من الجبهة السورية، فيشير إلى أن «حرب لبنان الثانية أوجدت انطباعاً مغايراً عن حرب الخليج الأولى التي جسدت الفجوة لمصلحة إسرائيل»، «فالدول العربية المعتدلة خاب أملها من قدرة الجيش الإسرائيلي، أما في سوريا فقد رأوا أداء الجيش وفرحوا. الحرب من ناحيتهم هي محطة أخرى في مسيرة بدأت قبلها يحاولون فيها إغلاق الثغر التكتيكية والعملياتية حيال الجيش الإسرائيلي. وتضمنت المسيرة مشتريات واسعة للسلاح من روسيا ولا تزال هناك صفقات أخرى على الطريق».
وفي محاولة لتعديل الألوان الشاحبة للصورة، نقل بيرغمان عن مسؤول في الاستخبارات الإسرائيلية قوله، بنبرة تهديدية، «لعل السوريين ابتهجوا أكثر مما ينبغي لإنجازات حزب الله، لكن الأسد يفهم أن سيناريو الضاحية يمكن أن يكون في دمشق أيضاً، كذلك هو يدرك أن إسرائيل لم تضرب محطات الطاقة والمنشآت النفطية في لبنان، وباختصار إنه يفهم أنه ليس حزب الله».




لعل السوريين ابتهجوا أكثر مما ينبغي لإنجازات حزب الله، لكن الأسد يفهم أن سيناريو الضاحية يمكن أن يكون في دمشق أيضاً، كذلك هو يدرك أن إسرائيل لم تضرب محطات الطاقة والمنشآت النفطية في لبنان، وباختصار إنه يفهم أنه ليس حزب الله