معاريف ـ شلومو غازيت
منذ أن وضعت حرب لبنان الثانية أوزارها قبل نحو عام، ونحن جميعاً واقعون تحت خطر نشوب حرب جديدة قد تندلع على الحدود اللبنانية أو في هضبة الجولان. الشعور السائد هو أن حرب لبنان الثانية قُطعت وهي في أوجها، وفي إسرائيل ثمة خشية من مبادرة حزب الله أو سوريا، التي تعلمت من تلك الحرب أن «المارد الإسرائيلي» ليس فظيعاً إلى هذا الحد، إلى استئنافها. وبالعكس، في بيروت ودمشق يُقدرون أن إسرائيل معنية بشن الحرب لاستعادة قدرتها الردعية. منذ ذلك الحين، يقول الجانبان بصراحة إنهما لا يرغبان في المبادرة إلى حرب. وبالرغم من ذلك قد تنشب هذه الحرب التي لا يرغب أحد بها.
ما الذي تريده دمشق؟ سوريا في واقع الأمر لا تسعى للحرب. النظام في دمشق يدرك جيداً تناسب القوى القائم والضرر الكبير الذي قد تلحقه إسرائيل به، وخصوصاً أن هذه الحرب ستنشب في وقت تعتبر فيه دمشق معزولة في الساحة العربية والدولية على حد سواء. في المقابل، سوريا عازمة على استعادة هضبة الجولان. هي تدرك الثمن الذي ستضطر إلى دفعه في إطار السلام مع إسرائيل، وهي جاهزة لذلك. لكنها في مواجهة الرفض الإسرائيلي ستضطر عاجلاً أو آجلاً للمبادرة إلى خطوة عسكرية تحقق لها أهدافها. سوريا تسعى إلى الخلاص من «محور الشر» والابتعاد عن عناق الدب الإيراني. ظروف العزلة السياسية التي يمر بها النظام اليوم تجعله محتاجاً إلى دعم طهران، إلا إذا كان الثمن الذي تدفعه سوريا في مقابل هذا الدعم باهظاً جداً.
ماذا تريد القدس (تل أبيب)؟ خطوات إسرائيل تتحدد أكثر من أي شيء آخر وفقاً لتقلبات السياسة الداخلية، وخصوصاً المحاولات التي يقوم بها رئيس الوزراء لتصوير حرب لبنان الثانية على أنها انتصار استراتيجي حاسم وصارخ. إسرائيل تدرك الثمن الذي ستدفعه في مقابل اتفاق السلام مع دمشق، إلا أنها ليست مستعدة لدفعه. ثمة أمل دفين بأن تُسلم دمشق عاجلاً أو آجلاً بفقدان الجولان تماماً مثلما سلّمت بفقدان لواء الإسكندرونة لتركيا. وإن كان ذلك سيحدث ـــــ فلماذا الاستعجال؟ الجيش الإسرائيلي يتحرك بكثافة لإعادة بناء نفسه واستخلاص العِبر والدروس من الحرب الأخيرة. وبصورة طبيعية، نرى نشاطاً وتدريبات ومناورات حثيثة في الجولان، ومع ذلك لا ترغب إسرائيل بالحرب، وخصوصاً في الوقت القريب.
إلى هنا كان العرض تحليلاً منطقياً. بيد أن التحليل المنطقي لا يكفي لإزالة عنصر الارتياب المتبادل والخوف الذي يفترس كلاً من الجانبين، إذ «ماذا لو كنا مخطئين في تقديراتنا؟». هنا تأتي التصريحات «المطمئِنة» من دمشق والقدس. لكن المشكلة أنها لا تفضي فقط إلى عدم إزالة الارتياب، بل تزيد من مستواه: فمن يضمن أنها ليست سوى ستار منهجي مقصود لإخفاء الخدعة؟ هكذا يعتقد الطرفان.
ثمة نقطة هامة أخرى يبدو أن الجانبين لا يلتفتان لها بدرجة كافية، وهي الطابع المختلف جذرياً لكل من النظامين والمجتمعين في سوريا وإسرائيل. ففي مواجهة النظام المتصلب والمنغلق والسري في دمشق، يحصل كل شيء في القدس داخل بيت زجاجي مع مكبرات للصوت تتعالى منها الكلمات والأصوات وكل ما يُطرح في النقاشات. في مواجهة النظام السوري المنغلق، نعود ونسأل: ما الذي يخفونه؟ ما هو الشيء الذي لا نراه ولا نسمعه؟ أما في دمشق التي ترى وتسمع كل شيء، فيحتاجون إلى تحليل ما سمعوه وما قرأوه. ما هو تفسير الجولة المغطاة إعلامياً التي قام بها رئيس الوزراء على خط الحدود؟ كيف يمكن تفسير تصريحات وزير الدفاع بأن «إسرائيل لا تسعى لشن الحرب على سوريا اليوم»؟ ماذا عن «غداً»، هل تنوي شنها؟ ومتى سيأتي هذا «الغد»؟
أنا أعتقد أن الجانبين صادقين في ما يقولانه. بالرغم من ذلك، يجب علينا أن نتذكر مقولات الأنبياء عن أن «الشر سيأتي من الشمال».