هآرتس ــ شموئيل روزنر
في السابع عشر من حزيران 1970، اجتمع مجلس الأمن القومي الأميركي للتداول في شأن حكومتين ضعيفتين في منطقة الشرق الأوسط، هما: حكومتا لبنان والأردن. حذّر الرئيس ريتشارد نيكسون من أن صدقية الولايات المتحدة في المنطقة ستكون على المحك في قادم الأيام. نيكسون ومستشاره الأول هنري كيسنجر كانا حازمين في رأيهما المشدد على ضرورة الحفاظ على استقرار المملكة الأردنية. أيلول الأسود المتربص في الزاوية كان المحك الحقيقي لهذا الالتزام. بيان الملك حسين الذي أعلن فيه عزمه على التحرك ضد الفدائيين الفلسطينيين انتزع كيسنجر من توكسيدو في فيرجينيا مباشرة. استدعى كيسنجر مروحية طوارئ لتحضره إلى جلسة عاجلة في البيت الأبيض.
أربعون عاماً مرت تقريباً منذ ذلك الحين، وما زال الأميركيون حريصين على استقرار الأردن ولبنان. سيل من اللاجئين العراقيين يتدفق نحو الأردن، مهدداً إياه من الشرق، فيما ضعف السلطة الفلسطينية يهدده من الغرب. لقد تنصل الأردن مرة تلو الأخرى من الفلسطينيين في الضفة. في كل مرة يتبين فيها من جديد أن المشكلة الفلسطينية ترفض التخلص من قوتها الذاتية، تُطرح مرة أخرى على النقاش قضية الدور الأردني ـــ وفي كل مرة تتراجع فيها هذه القضية للسبب نفسه: تسود الخشية على استقرار المملكة.
إدوارد لوتفيك، من معهد الدراسات الدولية والاستراتيجية في واشنطن، يذكر الملك حسين بصورة سيئة كمتخصص في بلورة «نظرية الكارثة» في الموضوع الفلسطيني. لوتفيك يقول إن الملك حسين كان يكرر القول دائماً إن هذه اللحظة هي الأخيرة لحل المشكلة الفلسطينية وإلا فمن بعدها الطوفان، الذي لم يأت في الواقع أبداً. ابنه عبد الله ورث عنه هذه الصيغة الخلاصية في تصوير الأمور. خطاباته تمثيلية مطوّرة عن جزع اللحظة الأخيرة. إنه يخشى، ويبدو أنه محق، من أن تبدأ المشكلة الفلسطينية بالتدحرج مرة أخرى نحو أعتابه.
المشكلة تتدحرج إلى هناك، ربما بصورة مفاجئة، بتشجيع هادئ من بعض قادة «فتح»، الذين يتحرقون لإيجاد مخرج من الحصار «الحمساوي» الذي يزداد ضيقاً حولهم. المملكة الأردنية، التي برهنت منذ عام 1970 على أنها قادرة على اتخاذ الخطوات القاسية المطلوبة لمعالجة المخالفين على شاكلة أتباع «حماس»، تبدو في نظرهم مخرجاً أكثر إقناعاً من المخرج الذي تقترحه «الأسرة الدولية»، مع طوني بلير أو من دونه. المشكلة هي أن العِجل الذي يرغب في الرضاعة لم يُقنع البقرة بعد. «لن نتدخل في هذه القضية حتى تتم إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على الأرض الفلسطينية»، قال الملك عبد الله في مقابلة أُجريت معه في مطلع الأسبوع. معنى ذلك ـــ بعد إقامة هذه الدولة سيكون لكل حادث حديث. اقتراح سخيّ لا يستجيب للحاجة التي خُلق الخيار الأردني من أجلها وأُعيد إحياؤه من جديد: قناة تحوّل إليها الطاقة السياسية الآن وليس بعدئذ.
قبل أيام، صوّر دبلوماسي أميركي بارز التلهي بإعادة إحياء الخيار الأردني كلعبة البوكر التي يخسر فيها من يفتح أوراقه أولاً. الأردن لن يوافق على ضم الفلسطينيين تحت مظلته خشية زعزعة استقرار نظامه. إلا أنه قادر على مواصلة رفضه فقط طالما بقيت إسرائيل مسيطرة على الضفة الغربية ومُحافظة على درجة معينة من النظام. ولو نُفذت خطة انطواء أولمرت بالتحديد على أرض الواقع وتدهورت الضفة إلى وضع حرج لاضطر الملك عبد الله إلى اختيار الإمكانية الأقل سوءاً من بين الأمرّين والتدخل في المجريات. ولكن أين هو رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي يتجرأ الآن على العودة إلى تلك الخطة ـــ خطة الانطواء؟