strong>محمد بدير
عاد باراك... رئيساً لحزب العمل مرة أخرى، وفي القريب وزيراً للدفاع، مرة أخرى أيضاً، تمهيداً للانقضاض على رئاسة الحكومة، التي يصرح بطموحه إلى العودة إليها بعد ستة أعوام قضاها في صحراء الاعتزال السياسي

عندما فكّر إيهود باراك بالعودة إلى العمل السياسي والحزبي قبل نحو ثلاثة أعوام، تعرض لحملة عنيفة من أقرانه في حزب «العمل»، الذين لم يكونوا قد سامحوه بعد على الانهيار الذي ألحقه بالحزب قبل أن يتركه حطاماً و«يهرب» ساعياً وراء منافعه الشخصية في عالم التجارة والمال. لكنه عندما جرب ثانية قبل خمسة أشهر، لقي ترحيباً محدوداً من أوساط مختلفة، سرعان ما تحول إلى دعم متزايد وصل ذروته أول من أمس مع انتخابه زعيماً للحزب.
خمسة أشهر فقط استغرق الأمر باراك كي يرفع عن نفسه ركام القطيعة مع قواعد الحزب وكوادره، وليتحول إلى ما يشبه المخلص القادر، في نظر هؤلاء، على وقف التراجع الحاد في شعبية الحزب والانطلاق به مجدداً نحو معركة رئاسة الوزراء، في مواجهة مرشح اليمين العائم على أمواج الاستطلاعات، بنيامين نتنياهو.
قصة باراك مع السياسة بدأت عام 1995، في أعقاب تسرحه من الجيش. تلقفه آنذاك مرشده الروحي، إسحق رابين، ليلحقه بحزب «العمل» وليعينه وزيراً للداخلية في الحكومة التي كان يرأسها. وبعد اغتيال رابين، تسلم باراك حقيبة الخارجية في حكومة شمعون بيريز إلى حين انتخابات عام 1996 التي أدخلت الجنرال السابق الندوة النيابية ونحت حزبه عن السلطة في آن.
كما في الجيش، شق باراك طريقه نحو القيادة بخطى سريعة، فتنافس على رئاسة الحزب في 4 حزيران 1997، وفاز بالمنصب بنسبة 50 في المئة من الأصوات في مواجهة ثلاثة متنافسين، كان أهمهم يوسي بيلين. في الانتخابات التي أجريت للكنيست الخامس عشر ولرئاسة الحكومة في السابع عشر من أيار عام 1999، حصل على حوالى 56.08 في المئة من أصوات الناخبين أمام منافسه بنيامين نتنياهو، وذلك عندما ترأس قائمة «إسرائيل واحدة» التي تألفت من حزب «العمل» و«غيشر و«ميماد». وفي السادس من تموز عام 1999، أقام باراك ائتلافاً شارك فيه، بالإضافة إلى إسرائيل واحدة، كل من: «شاس» و«ميرتس» وحزب المركز و«إسرائيل بعلياه» و«المفدال».
افتتح باراك كرئيس للحكومة عهد الانسحابات الأحادية الجانب، فكان قراره بالانسحاب من جنوب لبنان في أيار 2000، رغم معارضة الجيش لذلك. وعلى جبهة العملية السياسية، خاض مغامرة، تميزت بطابع «الرهان على كل ما في الصندوق»، فسعى إلى القفز فوق الاتفاقات المرحلية وصولاً إلى التفاوض المباشر على التسوية الدائمة مع كل من سوريا والفلسطينيين. تناقلت التقارير الصحافية آنذاك أنه كان مستعداً للانسحاب من الجولان حتى الحدود الدولية لعام 1923، لكنه رفض التراجع حتى حدود الرابع من حزيران 1967، كما أنه وافق على الاعتراف بدولة فلسطينية وعلى بحث مستقبل القدس ومبدأ تقسيم السيادة فيها، مستثنياً من ذلك الحرم القدسي الشريف، فضلاً عن رفضه حق العودة.
ورغم الرعاية الرئاسية الأميركية المباشرة للمفاوضات في كامب دافيد، متمثلة بشخص الرئيس بل كلينتون، إلا أنها اصطدمت بحائط مسدود في ظل إصرار الجانب العربي على حقوقه، فأُعلن فشلها الذي أسهم لاحقاً في إشعال الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000. وقبل ذلك، كانت حكومة باراك قد تفككت في ضوء انسحاب أحزاب «شاس» و«المفدال» و«إسرائيل بعالياة» منها على خلفية ما عُدَّ تنازلات قدمها في المفاوضات، فاضطره ذلك إلى تقديم استقالته وإعلان انتخابات مبكرة لرئاسة الوزراء فقط، حصلت في السادس من شباط 2001، وأفضت نتيجتها إلى خسارة مدوية له أمام أرييل شارون.
لخص باراك في مقال كتبه لصحيفة «واشنطن تايمز»، في أعقاب تسرحه من الجيش، رؤيته السياسية، فرأى أنه «ينبغي مواصلة السير في الممر الضيق للمنطق السليم نحو السلام، وهو الممر بين اليسار المتطرف، الذي يتجاهل الواقع المعادي الذي نعيش فيه، واليمين المتطرف الذي يستغل المخاوف ليجمد المسيرة السلمية».
في استعراض سيرته السياسية القصيرة، يتوقف المراقبون عند محطتين بارزتين: طلبه العفو باسم حزب «العمل» من اليهود الشرقيين عن الأخطاء التي ارتكبت بحقهم خلال استيعابهم في إسرائيل بعد هجرتهم إليها في الفترة التي كان الحزب حاكماً فيها، وقوله في مقابلة تلفزيونية: «لو كنت فلسطينياً شاباً لانتسبت في مرحلة ما إلى إحدى المنظمات الإرهابية»، في إشارة إلى فصائل المقاومة الفلسطينية، وهو قول أثار ردود فعل عنيفة عليه، فحاول تلطيفها بتشديده على أن «أعمال المنظمات الإرهابية الفلسطينية هي خطيرة وسافلة وحقيرة».
يبلغ باراك من العمر 65 عاماً، قضى منها 35 في الخدمة العسكرية، متدرجاً في سلسلة من المناصب، أهمها رئيس شعبة التخطيط (1982) ورئيس شعبة الاستخبارات (1983)، وقائد المنطقة الوسطى (1986)، ونائب رئيس الأركان (1987) قبل أن يصبح رئيساً للأركان عام 1991.
ويحفل السجل العسكري لباراك بالعديد من النشاطات الخاصة، الأمر الذي جعله صاحب الرقم القياسي في عدد الأوسمة التي حصل عليها في تاريخ الدولة العبرية. من بين أهم العمليات الخاصة التي شارك فيها: تحرير الرهائن على متن طائرة «سابينا» البلجيكية التي اختطفتها المقاومة الفلسطينية إلى تل أبيب عام 1972، وعملية اغتيال القادة الفلسطينيين الثلاثة في فردان عام 1973، والتخطيط لعملية تحرير الرهائن في عينتيبة في أوغندا عام 1976، وعملية اغتيال الشهيد خليل الوزير في تونس عام 1988. أطلق عليه خلال فترة خدمته في وحدة النخبة «سييرت متكال» لقب «نابليون» بسبب أسلوبه المتسلط، وهي صفة لازمته في عمله السياسي وأبعدت عنه معظم من عُدُّوا مقربين منه.