هآرتس - عكيفا الدار
ستغطّي غيوم ثقيلة اليوم سماء القمة في شرم الشيخ التي تُغرقها أشعة الشمس. الإخوان المسلمون من غزة ومن الأردن ومن مصر سيكونون فوق رؤوس الزعماء الأربعة، الى جانب غُلاة الجهاد العالمي. ومن الجهة الثانية، ستصحبهم إيران وحزب الله، وفي الركن يتربّص اليمين اليهودي ـــــ المتدين ـــــ القومي. يصعب أن نقرر أياً من الأربعة كرسيه أكثر اهتزازاً، وأن نُخمّن من أين سيأتي الشر القادم: من سوريا، التي تُركت خارجاً هذه المرة أيضاً، أم من القاعدة التي ترفع رأسها في العراق وتنظر الى البعيد، أم من المعارضة الإسلامية في مصر التي تشتمّ ضعفاً عند القيادة وتحشد القوة استعداداً للصراع على الوراثة.
ومن ذا لم يأت الى الحفل الحزين؟ الولايات المتحدة، القوة العظمى التي تتحمّل أكثر من كل جهة أخرى المسؤولية عن التدهور في الشرق الأوسط. من الذي بقي في البيت؟ الرئيس بوش الذي أصبح حلم دمقرطة الهلال الخصيب عنده واقع فوضى كاملة. ذاك الذي أصبحت رؤيا الدولتين التي أخذ بها ـــــ إسرائيل وفلسطين ـــــ في فترة ولايته حلماً بعيداً. يصعب أن نجد رئيساً أميركياً سبّب ضرراً أكبر لمصالح إسرائيل من الرئيس الذي يُعدّ أحد الرؤساء الأكثر صداقةً ممن شغلوا على الإطلاق البيت الأبيض. ليس هناك زعيم ساعد أكثر من بوش على تحطيم السلطة الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات ومحمود عباس.
بوش هو الذي فرض على الفلسطينيين الانتخابات البائسة، وذلك على رغم أن «حماس» رفضت تلبية شروط اتفاق أوسلو. بوش هو من بارك التضحية بخريطة الطريق على مذبح الانفصال الأحادي، الذي كان هِبةً لجبهة الرفض الفلسطينية وضربة قاضية لمعسكر السلام الجريح. وعندما جُرّت «حماس» بجهد كبير الى حكومة وحدة والى اتفاق وقف إطلاق نار، لم تدّخر إدارة بوش جُهدا لإحباط الحلف الجديد. والآن، بعد أن احترق الطبيخ، يترك بوش لـ «أصدقائه» أن يأكلوه وحدهم ويطالب من بعيد بأمور أخرى كحل الحواجز وإطلاق سراح السجناء. أما رؤيا الدولتين فستتفضّل بانتظار الرئيس المقبل. فما من شيء مُلحّ.
من حسن الحظ أن بوش لم يكن رئيساً قبل عشرين عاماً، عندما قرر أنور السادات أن الوقت قد حان لوضع حد للحرب مع إسرائيل ولاسترجاع شبه جزيرة سيناء. عندئذ كان بوش سيعفي نفسه بالقول «رئيس الحكومة قادر على مفاوضة مصر بنفسه، وهو ليس بحاجة إليَّ وسيطاً»، كما قال قائد العالم الحر بعد لقائه إيهود أولمرت، بشأن إسهام الولايات المتحدة في دفع عملية السلام مع سوريا قدماً. لا يمكن أن نعلم كيف كانت إسرائيل والشرق الأوسط كله سيبدوان اليوم لو أرسل جيمي كارتر، الذي يعدّ من كارهي إسرائيل، السادات ليُرتب أموره بنفسه مع رئيس الحكومة مناحيم بيغن، بدل أن يدعو الاثنين الى القمة السلمية في كامب ديفيد.
المشاركة الأميركية كانت أحد الاعتبارات الرئيسة التي أفضت الى قرار مصر والفلسطينيين والأردن بالتوصل الى تسوية سياسية مع إسرائيل.
بشار الأسد يطرق باب بوش، ويطلب أن يُرسل مفوضاً لمحادثة إسرائيل، على رغم أن الأميركيين يجهرون بعلاقتهم الخاصة بإسرائيل وبالتزامهم تفوقها النوعي. إن تحلّل الرئيس الأميركي من المسؤولية عن عملية السلام التي بدأت في 1991 في مدريد، بإشراف أبيه، يزيح من تحت قدمي إسرائيل أحد أهم ذخائرها الاستراتيجية، ألا وهو الثقة التي حصلت عليها عند الجيران بأن بطاقة دخول واشنطن والحق في التمتع بأفضالها يمكن شراؤها في القدس فقط.
في قدس أولمرت، يستقبلون بتنفس الصعداء التواضع الأميركي. نائب رئيس سوريا، فاروق الشرع، فسّر أقوال رئيس الولايات المتحدة بالكلمات الشديدة الصائبة الآتية: «بوش ليس معنياً بسلام بين إسرائيل وسوريا». الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية تحذر من أن عكس السلام حربٌ قريبة بين إسرائيل وسوريا. أي إن رئيس الولايات المتحدة يرفض المساعدة على منع جولة أخرى من سفك الدماء. أي صراخ كان سيعلو هنا لو رفض بوش مساعدتنا بإرسال مدفع أو طائرة مروحية، وتركنا لنسوّي أمورنا وحدنا مع العرب في الحرب المقبلة.