عمان | لم يكن اللقاء الذي جمع الملك الأردني عبدالله الثاني مع رئيس مجلس النواب ورؤساء اللجان، يوم الأربعاء الماضي، لقاءً تشاورياً عادياً، رغم أنه خطط له منذ شهرين تقريباً. فقد عبّر عبدالله عن «غضبه» إزاء ما وصفه بالأداء الهزيل لمجلس «كان من المفترض أن يكون سفير الديمقراطية إلى العالم».ويتهم كثيرون في المملكة مجلس النواب السابع عشر بأنه أسهم كثيراً في تدمير وتشويه العملية السياسية الإصلاحية، في حين أن كثيرين بدؤوا يلمّحون إلى أن أداء المجلس سيقصّر من عمره، وخاصة أن الملك تحدث عن تفاقم «أزمة النصاب»، إذ عاتب أعضاء البرلمان على تنامي ظاهرة التغيب عن الجلسات، ما يؤدي إلى إخفاق الاجتماعات وتأخير بعض التشريعات المهمة.

وكان من أبرز الذين اشتكوا تغيّب النواب رئيس الوزراء عبدالله النسور، وخاصة أن حكومته التي تواجه انتقادات كثيرة هي الأخرى تريد تمرير عدة قوانين، كقانون اللامركزية وقانون الانتخابات البلدية. بناءً على ذلك، طالب عبدالله بتفعيل نظام «مدونة السلوك» للنواب مع تشريع قائمة عقوبات تشمل النواب الذين يبالغون في مخالفة النظام الداخلي ويتغيبون عن الجلسات من دون مبرر.
كذلك لم تقتصر الشكوى على التغيب، بل شملت «التهرّب من النصاب» قصداً وإحباط الاجتماعات التشريعية. ويكشف «نائب مخضرم» أن المجلس ناقش أكثر من ثمانية تشريعات أهمها التعديلات الدستورية الأخيرة ومشروع قانون المرئي والمسموع وقانون نقابة الأطباء، ولكنها جميعاً «مرت مرور الكرام دون أن يرف جفن رئاسة المجلس أو النواب لناحية شرعية ودستورية تلك التشريعات في ظل غياب صريح للنصاب».
رغبة نيابية ودعوة سياسية إلى تصويب أوضاع «الإخوان»

وتقول مصادر نيابية إن الجلسة التي تم خلالها إقرار التعديلات الدستورية الأخيرة افتتحت بحضور 80 نائباً من أصل 150، فيما يشترط الدستور لإقرار التعديل فيه أن تجيزه أكثرية الثلثين من أعضاء مجلس النواب (100 نائب)، فضلاً عن مخالفة دستورية جسيمة ارتكبتها رئاسة المجلس، وهي عدم التصويت بالمناداة، بل برفع الأيادي، كما تنص الفقرة الثالثة من المادة 80 من القانون الداخلي لمجلس الأمة.
وأشار إلى ذلك أيضاً «برنامج مراقبة أداء المجالس المنتخبة ــ راصد»، الذي قال في أحد تقاريره إن ظاهرة فقدان النصاب القانوني «تثير شكوكاً حول قدرة المجلس على أداء دوره التشريعي والرقابي على أعمال السلطة التنفيذية، كما يثير المخاوف من قدرة المجلس على التعامل مع الاستحقاقات التشريعية المقبلة المتمثلة في سَنّ القوانين اللازمة ذات الصلة بالإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي». وذكر التقرير أن مشكلة غياب النواب لا تقتصر عن جلسات المجلس، بل تمتد لتشمل اجتماعات اللجان الدائمة البالغ عددها 20 جلسة، مشيراً في الوقت نفسه إلى غياب أي نصوص قانونية رادعة في النظام الداخلي تحدّ من هذه الظاهرة.
ويعلق الكاتب في صحيفة «الرأي» المحلية، راكان السعايدة، بالقول إن ضعف مجلس النواب ليس في التشريعات والرقابة والمواقف السياسية فقط، بل يمتد ذلك إلى «السلوك النيابي لأعضائه الذين لا يجمعهم برنامج واحد محكم متفق عليه، لأن ظاهرة العمل الفردي طاغية رغم وجود بعض الكتل». ويضيف السعايدة: الخلل واضح في كثرة الاستجوابات التي أعلن المجلس عنها، وفي عشرات المذكرات التي لم تلق الحكومة لها بالاً».
من جهة أخرى، يرى الأمين العام لحزب «الوحدة الشعبية»، سعيد ذياب، أن ضعف أداء مجلس النواب سببه قانون الصوت الواحد (انتخاب مرشح واحد عن كل دائرة) الذي يعكس حجم التراجع في المؤسسة التشريعية ويزيد عليه «التغول الحكومي والتدخل الأمني المباشر». ويوضح ذياب أن هذا القانون «ساهم منذ اعتماده عام 1993 في تراجع مكانة البرلمان على مستوى التشريع».
وفي الماضي القريب، كانت السلطة التشريعية مسكونة بـ«فوبيا الحل» وظلت تتقمص دور الضحية والمستهدف من باقي السلطات، ومن أجل ذلك تكررت طمأنة عبدالله الثاني للنواب بقوله إن «ثقة الشعب وحدها تقرر بقاء المجلس»، ولكن مصدراً حكومياً تحدث إلى «الأخبار» أشار إلى وجود نية ملكية بحل المجلس قريباً.
إلى ذلك، علمت «الأخبار» من مصادر عديدة أن مجموعة من النواب بصدد إطلاق مبادرة تحت شعار «فأصلحوا بين أخويكم» لتقريب وجهات النظر بين طرفي النزاع في جماعة «الإخوان المسلمين» في المملكة (الجماعة الأم والجمعية الجديدة)، وذلك من أجل وقف حالة التشرذم التي تجتاح الجماعة ومحاولة إخضاع طرفي النزاع للتحكيم.
يشار إلى أن رئيس الوزراء الأردني الأسبق، الجنرال المتقاعد من الجيش معروف البخيت (الأناضول)، اقترح قبل يومين «تصويب العلاقة مع جماعة الإخوان»، وقال خلال محاضرة في مقرّ حزب التيار الوطني إن من الضروري «تصويب العلاقة الملتبسة مع الإخوان». وأوضح البخيت أن الجماعة تمكنت تدريجياً من «القيام بالأدوار الدعوية والسياسية»، لكنه أكد أن «الوقت حان لفصل الدعوي عن السياسي، وضرورة فصل الجماعة عن حزب جبهة العمل الإسلامي من حيث الهيئات الإشرافية (مجلس شورى ومكتب تنفيذي)، وكذلك ضرورة التزام حزب جبهة العمل بقانون الأحزاب».