محمد بدير
«تحت جنح الظلام يصل نشطاء حزب الله إلى محاذاة السياج الحدودي، يغرسون ساريات في الأرض ويعلقون عليها أعلام المنظمة الإرهابية في مقابل مواقع الجيش الإسرائيلي. بعد ذلك، يعودون إلى الاختفاء وسط منازل المدنيين داخل القرى في جنوب لبنان. في حالات اخرى يقومون بتنظيم تجمعات هادئة لمدنيين ويرفعون الأعلام والبيانات من اجل تذكير الجميع بأن المنظمة تتنفس وأنها على قيد الحياةعبارات تصف مشهداً من الوضع على الحدود الجنوبية من وجهة نظر صحيفة «معاريف» الإسرائيلية، التي قام طاقم تابع لها بجولة على امتداد الخط الحدودي بعد ثمانية أشهر على انتهاء «حرب لبنان الثانية». يلتقي الطاقم الصحافي بضباط الوحدات الإسرائيلية المنتشرة في المكان وينقل تقديراتهم ـــ الاستعراضية في طابعها ـــ للمهمات التي ينفذونها، ثم يعود ليرسم صورةً عن مشاهداته، يمكن اختصارها بالاستنتاج الذي خلص إليه بأن «الجيش الإسرائيلي يعرف أن حزب الله يمتلك القدرة، حتى في ظل وجود أكثر من 11 ألف جندي من اليونيفيل المنتشرين في جنوب لبنان».
يشرح المقدم عميحاي باك، الذي يرأس كتيبة «شاحاف» للاستخبارات الميدانية، لفريق «معاريف»، حالة الجهوزية والتأهب التي تعيشها وحدته المرابطة على طول الحدود. ويوضح باك، وهو يقف بمحاذاة السياج الحدودي وينظر باتجاه الجنوب اللبناني، أن «المشهد هنا مختلف تماماً، فنحن نعمل طوال الوقت لمتابعة ما يجري في الجانب الثاني على مستويات عديدة». وفي إشارة إلى استناده في مقاربة الوضع إلى نظرية «الهدوء المضلل»، يشدد الضابط الإسرائيلي على استعداد جنوده الدائم ومحاذرتهم من الوقوع في سحر الأجواء الريفية التي تحيط بهم «لأن المنطقة قد تشتعل في أية لحظة».
يتجزأ أداء المهمات الموكلة للوحدة الاستخبارية إلى ثلاثة مستويات: غرف العمليات والمراقبة، ودوريات الفحص والتحسس، والكمائن المتقدمة.
تنفيذ المستوى الأول يقع على عاتق مجموعة من المجندات يشغلن الغرف الموجودة في مناطق خلفية على طول الحدود، ويقمن بتمشيط المساحة الحدودية بالوسائل التكنولوجية في الليل والنهار. تعطي الضابطة المسؤولة عن هذه الغرف، يلينا شيرمان، فكرة عن طبيعة عملها، فتقول «في السابق كنا نعلم بالضبط أين يقف مخربو حزب الله، واليوم نحن نرى الجيش اللبناني وقوات الأمم المتحدة. أما حزب الله فهو مندمج وسط السكان ولا يتجول الآن بسلاحه ولا يرتدي أفراده البدلات العسكرية». وتضيف «اليوم نرى مؤيدي حزب الله خصوصاً في التجمعات والملصقات والأعلام التابعة لهم». وبما أنه لا بد من نفحة استعراضية، تؤكد شيرمان أن «بناتها» في غرف الرقابة «يعرفن تشخيص الوجوه والسيارات وحتى أنواع قطعان الماشية ومن هو راعيها»، وكذلك «نحن نسجل المعلومات التي تتحول بعد ذلك إلى صورة كاملة مهمة».
أما الدوريات الحدودية فتنفذها مجموعات من الجنود بواسطة آليات عسكرية مزودة بأجهزة تحسس وأخرى خاصة بالجمع الاستخباري، فيما تعد طواقم الكمائن، المسؤولة عن تنفيذ المستوى الثالث من مهمات الكتيبة، رأس حربة الأخيرة، حيث يختفون داخل الطبيعة بمحاذاة السياج الحدودي ويرصدون تحركات المقاومين على الجانب اللبناني. وهدفهم، وفقاً لقائد الكتيبة، «تحديد أي نشاط أو محاولة لتشييد بنية تحتية (لحزب الله) سواء أكانت قريبة أم بعيدة عن الحدود».
وبعد تشريح أداء وحدته، يخلص باك إلى التأكيد أنه «من الواضح أن حزب الله يعمل منذ انتهاء الحرب على بناء قوته، وبالتالي فإن ذلك سينعكس في تحرك ما. نحن نتدرب على ذلك ونعمل وفقاً له». ويضيف أن «الجنود يعملون طوال الوقت من أجل تشخيص المخرب القادم، الذي لا يريد رفع علم بل زرع عبوة أو جمع معلومات أو إطلاق النار باتجاه قواتنا، وفي أسوأ الأحوال، تكرار حادثة الخطف».