strong>نشرت مجلة «ناتيف» الإسرائيلية الصادرة عن مركز «أرييل» للدراسات السياسية دراسة جديدة في الوضع الاستراتيجي لإسرائيل، الذي أسفر عنه عدوانها الأخير على لبنان ونتائجه الفاشلة. دراسة أعدها المتخصص في الشؤون الاستراتيجية، الدكتور ران باراتس، في ما يلي نصها المتعلق بلبنان
إن استعراض إخفاقات الجيش في حرب لبنان إلى جانب التهديدات الاستراتيجية التي تواجهها إسرائيل يرسمان صورة تشاؤمية. خيار التماثلية النووية مع إيران سيكون له تداعيات قاسية حتى على ساحة المعركة التقليدية. اسم اللعبة أصبح الآن «البقاء» أو «الصمود».
تقف إسرائيل اليوم في أحد المفترقات المصيرية الأكثر حسماً. من نواحٍ كثيرة، يُعدّ وضعها اليوم أسوأ بكثير من عام 1967، عندما سيطر على الجميع خوف الزوال وحفر سكان تل أبيب الحفر الدفاعية بانتظار الحرب المقتربة. وهو أسوأ أيضاً من عام 1973 الذي اقتربت فيه الهزيمة العسكرية بشكل مثير للقلق. وفي الحالتين نجونا، خلافاً للأسطورة الإسرائيلية، بصورة أساسية بفضل الكثير من الحظ والقيادة السيئة للعدو. في غياب حوار استراتيجي جوهري، وفي ظل تصورات استراتيجية وجيوسياسية مختلفة وغريبة أصحبت سائدة، يقترب من إسرائيل خطر لا تشخصه، وفي الواقع، هي تستعد منذ أعوام للحرب غير الصحيحة.
أحد الأمثلة على السطحية في الحوار السياسي هو تصوير الحرب الأخيرة على أنها أسفرت عن نجاحات مهمة، وهو أمر يقوم به أصحاب المصالح. بحسب هؤلاء المرافعين، الثمرة الرئيسية للحرب، هي القرار 1701. المعارضون ينكرون أهمية القرار بحجة أن حزب الله رمم قدراته برغم كل شيء. إلا أن هذا القول، حتى لو كان صحيحاً، يقفز فوق النقطة الأساس: القرار 1701 هو فضيحة وطنية لا سابق لها؛ فبعد سنوات من الصراع والتصميم الإسرائيلي ضد أي اقتراح لنشر قوات غريبة على حدودنا، سمحت إسرائيل اليوم لقوة مسلحة، لجيش غريب بكل معنى الكلمة، يتألف من مجموعة دول بعضها معاد لإسرائيل، بالتمركز في جنوب لبنان مع تفويض قتالي يقول إن عليه حماية لبنان من إسرائيل. وخلافاً للمراقبين الذين عرفناهم في الماضي، القوة التي تحمي لبنان اليوم هي قوة قتالية. هكذا تخلت إسرائيل عن سيادتها وعن حقها بالعمل العسكري في لبنان إزاء التهديدات. في عملية الخطف المقبلة، لن تتمكن إسرائيل من شن عملية عسكرية قبل أن تطلب من ألمانيا وفرنسا، على سبيل المثال، سحب قواتهما من لبنان، أو تحمل العواقب. إسرائيل خضعت للإملاءات كما لو كانت طرفاً خاسراً، وذهبت سدى عشرات السنوات من الصراع الدولي على السيادة.
المعاني الاستراتيجية المؤلمة
في ضوء هذا الواقع، وهذا المستوى من الحوار الخادع، لا عجب في ألا تحظى المعاني الاستراتيجية الحقيقية لحرب لبنان الثانية بالبحث والأهمية. لكن، بما أن أعداءنا يحللون بالتأكيد نتائج الحرب، ويستخلصون النتائج، ويعدون الخطط والنظريات القتالية وفقاً لذلك، فإن من واجبنا أن نسأل ماذا يمكن أن يتعلموا من الحرب الأخيرة، ونحاول أن نقدر أي سيناريوهات تخطر في أذهانهم.
ثمة ثلاث نتائج أساسية تظهر للعيان خلال البحث الاستراتيجي في الحرب:
أولاً: الكفاءة المنخفضة لسلاح البر الإسرائيلي: بالطبع، لم يكن أعداؤنا بحاجة إلى الحرب الأخيرة لكي يتوصلوا إلى هذا الاستنتاج، لأنهم يتابعون، من دون أسف طبعاً، التآكل المستمر للكفاءة القتالية للجيش الإسرائيلي منذ أعوام، وخاصة في أعقاب الانتفاضتين الأخيرتين. على سبيل المثال، وفقاً لوسائل الإعلام الإسرائيلية، أجرى الجيش قبل فترة قصيرة التدريب اللوائي الأول منذ 6 سنوات، أي إن الجيش الإسرائيلي يشتغل اليوم على مستوى كتيبة، وليس لدى عدد كبير من الجنود والقادة الخبرة العملية بمستوى أداء أكثر تعقيداً. هل من عجب، حينئذ، أن يفشل الجيش عندما يُطلب منه أن يعمل على مستوى لواء أو فرقة؟ بالطبع، كفاءة قوات الاحتياط أقل من ذلك، وهي أصلاً آخذة بالتقلص منذ أعوام.
ثانياً: عدم حصانة سلاح المدرعات: إحدى المزايا الاستراتيجية التي حافظت على أمن إسرائيل من اعتداءات عربية تقليدية تكمن في سلاح المدرعات النوعي الذي تمتلكه. النماذج المتطورة للمركافا 3 و 4، تعدّ منذ أن تم البدء بإنتاجها حصينة أمام أسلحة ضد الدروع العادية. هذا الاعتقاد استؤصل في حرب لبنان الثانية. مقاتلو حزب الله، الذين بينهم مجموعات مدربة على استخدام هذه الأسلحة، استخدموا نماذج متطورة من صواريخ ضد الدروع روسية الصنع (كورنيت وماتيس)، وتمكنوا من إصابة عدد من الدبابات المتطورة. ثمة حديث في الجيش عن منظومات دفاعية جديدة للدبابات، إلا أنها لم تُجرب بعد في ظروف قتالية، وبالتالي فإن نجاعتها مشكوك فيها.
ثالثاً: عدم تلبية سلاح الجو لما كان متوقعاً منه: تهديد استراتيجي آخر برز فيه التفوق الإسرائيلي حتى الحرب الأخيرة هو سلاح الجو الإسرائيلي المتطور؛ ففي هذه الحرب تم تشغيل جزء مهم من قوة سلاح الجو، ورغم ذلك، وخلافاً لتوقعات رئيس الأركان «المستقال» وآخرين كثر، فإنه لم يعجز فقط عن حسم المعركة، بل إنه حتى لم يقترب من تحقيق جزء معتدّ به من الوعود التي قدمها؛ تدمير الصواريخ البعيدة المدى ينطوي على بعض العزاء فقط؛ فهذه المنظومة غير متبلورة، والمعلومات الاستخبارية حولها كانت ممتازة. وعلى عكس هذا النجاح، فشل سلاح الجو في معالجة قدرات الإطلاق الصاروخية باتجاه حيفا وحتى الخضيرة، التي بقيت قائمة حتى نهاية الحرب. لماذا فشل سلاح الجو في إزالة هذا التهديد؟ لأن حزب الله انتهج تكتيكات قديمة ومعروفة في ظل دونيته الجوية الواضحة. أي خنادق كبيرة محفورة بشكل جيد، تمويه، تغيير الأماكن، الصبر والإبداع. سلاح الجو بقي عديم الرد.
(الأخبار)


وضع إسرائيل اليوم أسوأ بكثير من عام 1967، عندما سيطر على الجميع خوف الزوال وحفر سكان تل أبيب الحفر الدفاعية بانتظار الحرب المقتربة. وهو أسوأ أيضا من عام 1973 الذي اقتربت فيه الهزيمة العسكرية بشكل مثير للقلق