القاهرة | «بأي حال عدت يا عيد؟»، يسأل عمال مصر والإجابة تأتيهم هذه المرة من القضاء، الذي شارك الحكومة المصرية في «التنكيد» على العمال في عيدهم، بعدما أصدر حكماً يعاقب أي موظف يضرب داخل مقار العمل، وذلك بإحالته على المعاش! حكم جاء بعد يوم واحد من إعلان الرئيس، عبد الفتاح السيسي، تبنيه لما سمي «ميثاق الشرف العمالي» الذي يفرض وصاية حكومية على احتجاجات العمال على اعتبار أن البلاد تمر بأزمة وجودية، وأن على العمال الصبر والكف عن المطالبة بحقوقهم، ما يفتح الباب أمام الدولة للتعامل مع العمال بسلبية أكثر، وهم الذين يشعرون بغبن كبير منذ إلغاء نسبة تمثيلهم في البرلمان، وغياب النصّ على تلك النسبة في الدستور الجديد للبلاد، الذي عُدِّل بعد إقصاء جماعة «الإخوان المسلمين» عن الحكم.
وقد تبع ذلك إجراءات حثيثة من الحكومة في تسريح العاملين في الدولة، أو على الأقل رغبتها في عدم مد الجهاز الإداري بعناصر جديدة، وهو ما كشفته تصريحات وزيرة القوى العاملة، ناهد عشري، التي قالت: «خلاص مافيش ميري»، في إشارة إلى القطاع العام. تزامن هذا مع تصريحات وإجراءات أخرى جميعها تؤكد رغبة الدولة في التحرر من العاملين في القطاع العام، وذلك بإيقاف تعيينات الحكومة وإصدار قانون الخدمة المدنية الذي يحفز العمال على الخروج إلى المعاش المبكر، ما يطرح تساؤلات بشأن وجود اتجاه عام كشف عنه القضاء في حكمه الأخير باحتواء الاحتجاجات العمالية، بل منع حدوثها من المهد.
الحكم القضائي أكد أن «إضراب الموظفين العموميين جريمة جنائية»، وزادت المحكمة بالقول: «الإضراب يتنافى مع مبدأ سير المرافق العامة بانتظام ويؤدي إلى إلحاق أفدح الأضرار بالكيان الاجتماعي والاقتصادي، ويشكل خروجاً عن مقتضيات الوظيفة العامة وواجباتها، التي توجب على الموظف أن يكرس كامل وقته لأداء واجبات وظيفته».
وجهة النظر تلك، التي تتبناها الحكومات دائماً، أصبحت الآن حكماً قضائياً، رغم أن الدستور ينص صراحة في إحدى مواده على أن الإضراب حق ينظمه القانون. كذلك يخالف هذا الحكم أيضاً مادة أخرى تعتبر الاتفاقات التي وقعتها مصر ملزمة وتعتبر تشريعاً، والقاهرة وقعت بالفعل منذ عام 1981 اتفاقية العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي تبيح أنواع الاحتجاجات العمالية، وفي مقدمتها الاعتصام والإضراب عن العمل.
المفارقة أن الحكم سبقه إعلان «ميثاق الشرف العمالي» الذي تبناه السيسي وأعده ما يسمى «اتحاد العمال الحكومي» وفيه الدعوة إلى حظر الاحتجاجات، وبذلك يكون العمال على الأرض يواجهون تعسف السلطة وتخلي النقابات التي من المفترض أن تكون حامية لهم، وفي الوقت نفسه صاروا في مواجهة مع قضاة يطبقون أقسى القوانين عليهم، إذ بنى الحكم الأخير على قانون «مؤقت» أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة في 12/4/2011 بتجريم الاعتداء على حرية العمل وتخريب المنشآت، فيما تجاهل النص الدستوري الصريح ولم يلتفت إلى الأوضاع العمالية الصعبة التي تجبر الكادحين على الاحتجاج، لأنهم لا يلجأون إلى هذا التصرف إلا بعد غلق كل الأبواب أمامهم.