مهدي السيد
طرحت الصحف الإسرائيلية أمس مجموعة من التساؤلات في شأن الموقف الإسرائيلي من الدعوات المتكررة التي يطرحها الرئيس السوري بشار الأسد عن رغباته السلمية، تركزت في معظمها على تأثيرات الالتزام بالموقف الأميركي من هذه القضية على الدولة العبرية، ومدى نجاعة تكتيك رد تل أبيب وإمكان أن يقودها ذلك إلى حرب جديدة لا تبدو مؤهلة لها.
وتوقفت صحيفة «هآرتس»، في افتتاحيتها أمس، عند عدم تأثر توجهات رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت بالليونة السورية المستعدة للمفاوضات من دون شروط مسبقة، بحجة أن رفض الدعوات السورية كان موقفاً أميركياً. وقالت «لا شك في أن ثمة أهمية عليا لمواقف الولايات المتحدة بالنسبة إلى اسرائيل، وأن اولمرت يضع على رأس جدول أولوياته العمل من أجل محاربة المشروع النووي الإيراني، ويعتقد بأن تنسيق المواقف مع واشنطن ضروري الآن لإسرائيل أكثر من أي وقت مضى، وبالتالي فإن الاستجابة لدعوات الأسد، من دون اتفاق مسبق مع الإدارة الاميركية، تبدو له كمراهنة خطيرة ستضر باسرائيل فقط. وعليه، فإنه من غير تأييد واضح وصريح من واشنطن، لا مجال للتقدم نحو تسوية مع دمشق». لكن الصحيفة ترى أن المشكلة تكمن في أن «التحدي السوري يبدو مختلفاً ما بين واشنطن والقدس؛ فالولايات المتحدة تستطيع المخاطرة بتوتر مع الأسد من دون أن تدفع ثمناً باهظاً جراء ذلك، لكن من ناحية اسرائيل، فإن معنى قول كلمة لا لاحتمالات التوصل الى تسوية سياسية مع سوريا، هو أنه من الممكن التورط في مخاطرة حرب بدلاً من التنازل عن هضبة الجولان».
على هذا الأساس تشير الصحيفة إلى أنه «يجب على اولمرت أن يفحص بجدية اقتراحات الأسد، وذلك من خلال تنسيق دؤوب مع الأميركيين؛ فإسرائيل لن تربح شيئاً جراء تموقعها ووقوفها موقف الرفض.. لذلك، فإن من المهم استغلال هذه المسيرة الدبلوماسية مع سوريا، بدلاً من الانتظار حتى التدهور والحرب».
بدورها، توقفت «يديعوت أحرونوت»، في افتتاحيتها، عند التكتيك الإسرائيلي الحالي إزاء الموضوع السوري، فرأت أن «التكتيك الاسرائيلي أصبح يضع شروطاً مسبقة للمفاوضات، وأسوأ من ذلك، فإن زعيمنا الذي كانت له تجربة سيئة جداً في أخذنا الى الحرب، لم يستوعب الدرس، ويرفض الفهم بأنه ليس له شرعية لأخذنا ثانية الى حرب أخرى. الآن لا نتحدث فقط عن مجرد حجر، بل عن صخرة حقيقية. صخرة عنيدة يصعب تحطيمها».
وغمزت «يديعوت» من قناة منح أولمرت الأولوية لموقف الإدارة الأميركية بدل فعل ذلك تجاه مواطنيه فقالت «صحيح أن الولايات المتحدة لا تريد حالياً مفاوضات سياسية بين اسرائيل وسوريا، لكن ضعف القيادة الاسرائيلية يخدمها. وهكذا، فبدلاً من أن تطرق باب مكتب (الرئيس الأميركي جورج) بوش وتقول له: «اذا قلت للأسد الآن لا، فلن أتمكن مستقبلاً من النظر في عيون الجنود لدينا ولا في عيون الآباء في ما بعد». بدلاً من ذلك، فإن اولمرت يختار أن يقول لمواطني دولة اسرائيل: اذا قلت نعم للسوريين الآن، فلن أتمكن من النظر في عيون بوش بعد ذلك».
بدوره، تطرق عاموس غلبوع في «معاريف»، إلى «نغمات سلام» سوريا التي تميزت برأيه حتى الآن بأربعة مركّبات: التعبير عن رغبة سوريا في السلام، وتحديد أن اعادة هضبة الجولان حتى حدود الرابع من حزيران 1967 نقطة انطلاق محادثات السلام مع اسرائيل، وزعم أن اسرائيل لا تريد السلام، والتهديد بأن فرصة السلام آخذة في النفاد، وأن دمشق لن تستطيع ألا أن تتوجه الى العنف.
وفي شأن الطريقة التي يتعين التعامل بها مع الدعوات السورية، يسأل غلبوع «كيف يجب أن نرد؟ هل بحماسة زائدة يظهرها بعض السياسيين ورجال الاعلام، اعتقاداً منهم بأننا أمام فرصة تاريخية وأن اتفاق سلام مع سوريا سيحطم محور الشر، وانطلاقاً من الخوف من أن رفضنا سيعرّضنا لحرب فظيعة؟ أم قد يكون ذلك بعدم الاكتراث، والتجاهل، وبوضع الشرط بأن على السوريين قبل كل شيء أن يغيروا سلوكهم السيء داخل محور الشر؟ أم قد يكون من الواجب أن نتجه الى استيضاح سري وموضوعي الى أين يتجه السوريون في الصعيد الاستراتيجي الإقليمي، قبل أن ندخل نقاشات العلاقات الاسرائيلية السورية؟». والحل الأفضل، كما يراه غلبوع، لا يكمن في الرد بحماسة ولا بعدم اكتراث، بل في التنسيق مع الولايات المتحدة.
في المقابل، رأى غاي معيان، في «معاريف»، أن خطوات سوريا الأخيرة تعبّر عن الضغط الكبير الذي دُفعت اليه، وعن رغبتها في الخروج من الحصار. وبحسب معيان، فإنه «اذا ما استمرت اسرائيل في اغلاق أذنيها، فإنها لن تضيع فرصة السلام فقط، بل ستساعد ايضاً على عقد حلف متشدد يمتد من الخليج العربي حتى البحر المتوسط؛ فالاستجابة للدعوات الملتوية لسوريا ستخدم المصالح الأمنية لاسرائيل أكثر من أي مناورة اعلامية أو أمنية اخرى».