مهدي السيد
معضلة «سياسة ضبط النفس» التي ينتهجها رئيس الحكومة إيهود أولمرت ويفرضها على الجيش الإسرائيلي، تستدرج انتقادات متزايدة، يوماً بعد يوم، سواء من كبار قادة الجيش أم من الوزراء. ورغم التبريرات السياسية التي تُساق لتسويقها، ومنها تعزيز مكانة الرئيس الفلسطيني محمود عباس والاستجابة لرغبات الإدارة الأميركية، فإن استمرار تعرض مستوطنات النقب الغربي لسقوط صواريخ القسام، يُغطي عليها جميعاً، على قاعدة أن الأولوية يجب أن تكون دائماً «للأمن الإسرائيلي»، بحسب المبدأ الحاكم للسياسة الإسرائيلية منذ عشرات السنين.
في هذا السياق، رأى المحلل السياسي في صحيفة «هآرتس»، الوف بن، أن استمرار اطلاق الصواريخ «وضع أولمرت أمام واحدة من المعضلات الصعبة التي واجهها خلال سنة حكمه، وهذه المعضلة تتمثل في الاختيار بين إطلاق العنان للجيش الإسرائيلي بعد اللجام الذي وضعه عليه، والسماح له بالعودة إلى العمليات ضد مطلقي صواريخ القسام، وبين العض على الأسنان والتمسك بسياسة ضبط النفس في مقابل الانتقاد المتزايد الذي يتعرض له».
ويرى بن أن أولمرت «علق في الوضع الذي وقع فيه رئيس الحكومة الثاني لاسرائيل، موشيه شريت، الذي حاول صد العمليات الانتقامية التي كان الجيش الاسرائيلي يقوم بها في الخمسينيات». وأضاف «من الواضح أن اولمرت، مثل سلفه في الخمسينيات، يؤمن هو الآخر بأن العلاقات الخارجية لإسرائيل أهم من عملية عسكرية اخرى ذات فرص طفيفة. فقد عمل الجيش الاسرائيلي في غزة على مدى خمسة أشهر، في البر ومن الجو، قتل مئات الفلسطينيين، ولم ينجح في وقف نار القسام، وإعادة الجندي المخطوف جلعاد شاليط، او هز حكومة حماس».
وبحسب بن، فإنهم «في مكتب رئيس الحكومة يأملون ان تنقذ الخلافات بين الجيش وبين الشاباك أولمرت من المعضلة. من ناحية اولمرت، فإنه سيكون لإلغاء ضبط النفس وعودة الجيش الى غزة ثمن سياسي باهظ. فالمسيرة التي يحث السير فيها حيال رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (أبو مازن) ستصل الى نهايتها؛ ودعوة اولمرت الى مصر الاسبوع المقبل ستكون موضع شك، وربما أيضاً رحلته الى الصين، وستعرض اسرائيل مرة اخرى في العالم دولة عنيفة ومارقة».
بدوره، انتقد المراسل العسكري لصحيفة «معاريف»، عمير ربابورت، بشكل لاذع سياسة جيش الاحتلال الإسرائيلي في مواجهة اطلاق صواريخ القسام، معتبراً أنها سياسة إذلال ومهانة، ومتهماً رئيس الحكومة بفرضها لإرضاء الإدارة الأميركية. وقال ربابورت إنه «لا يمكن وصف سياسة الجيش الإسرائيلي في مقابل استمرار اطلاق صواريخ القسام من قطاع غزة بأنها سياسة ضبط النفس. في الحقيقة، يتعلق الأمر بسياسة إذلال وإهانة».
وبحسب ربابورت، فإن «سياسة إسرائيل بوقف النار في ظل تعرضها لهجوم متواصل ومكثف كهذا، هي سياسة اشكالية»، وهذه الإشكالية لا تعود فقط «لاعتبارات الكرامة أو بسبب الخطر الملموس على حياة سكان النقب الغربي. بل إن الأكثر خطورة هو كون الأمر يتعلق بسابقة تحطم ما بقي من قدرة الردع الذي بقي للجيش الإسرائيلي في عيون العالم العربي، مع الإشارة إلى أن قدرة الردع هذه قد تضررت بشكل مميت جراء فشل الحرب في لبنان».
وإذ شكك بصحة الادعاء بأن إسرائيل تواصل التحلي بضبط النفس من أجل عدم المس بمكانة أبو مازن على خلفية الصراع الفلسطيني الداخلي الذي يدور منذ أسابيع، أشار ربابورت إلى أن «المصادر التي تنبع منها سياسة الإذلال هي أن من قرر هذا الأمر محافل في الولايات المتحدة، لا تحتل حياة سكان سديروت بالطبع رأس اهتماماتها».
وتابع ربابورت يقول إن «الأميركيين لا يحتاجون حتى إلى إعطاء الأوامر التي توقف نيران الجيش الإسرائيلي. يكفي أن يبثوا تلميحات تفيد بأن هذا ما يتوقعونه. ذلك أن رئيس الحكومة، إيهود أولمرت، متحمس أصلاً لإرضائهم تماماً وهو سيحقق رغبتهم».
ويشير ربابورت إلى أنه «يبدو أن هذا هو أحد الأسباب الرئيسية لإهمال المبدأ الذي يحكم ويوجه إسرائيل منذ عشرات السنين، والذي يفيد بعدم التفريط بأمن المواطنين».