مهدي السيد
إسرائيل في حالة «انبطاح وعجز» وتمر بمرحلة «شيخوخة ووهن». بهذه العبر، وصف ديفيد غروسمان، وهو أحد أشهر ثلاثة مفكرين في إسرائيل، الوضع الحالي للدولة العبرية التي باتت «ضحية لنفسها ولمخاوفها ويأسها وقصر نظرها».
وقال غروسمان، في كلمة ألقاها في ذكرى مقتل رئيس الوزراء الأسبق إسحق رابين، «حدثت حرب. شنت فيها إسرائيل عملية عسكرية هائلة، ولكن عجزها وهشاشتها ظهرا من خلال ذلك، وتبين لنا أن القوة العسكرية التي نملكها لا تستطيع لوحدها أن تضمن وجودنا. اكتشفنا بصورة أساسية أن إسرائيل موجودة في أزمة عميقة، أعمق بكثير مما قدَّرنا».
ووجه غروسمان كلامه الى الجمهور المحتشد ويُقدَّر عدده بمئة ألف شخص قائلاً «انظروا ماذا حدث للدولة الشابة الجريئة. الحماسة الكبيرة والروح المتقدة التي كانت هنا. اسرائيل سارعت الى التقدم نحو الشيخوخة من مرحلة الرضاعة والطفولة المبكرة لتصل الى وضع مزمن من الانحلال والوهن ومشاعر الخيبة والفرص الضائعة». وتساءل «كيف حدث ذلك؟ متى فقدنا حتى الأمل بأن نتمكن في يوم ما أن نحيا حياة أخرى أفضل من هذه؟ والأكثر من ذلك كيف نواصل اليوم أيضاً الوقوف جانباً والنظر مثل من أصابهم التنويم المغناطيسي الى هيمنة الجنون والغلظة والعنف والعنصرية على بيتنا؟».
وأضاف «أنا سأسأل، كيف يُعقل أن شعباً ذا قدرات إبداعية خلّاقة ومتجددة كشعبنا، شعباً عرف كيف ينهض من الرماد مرة تلو الأخرى، يجد نفسه اليوم ــ تحديداً حيث توجد لديه قوة عسكرية هائلة ــ في وضع الانبطاح والعجز؟ وضعاً يعود فيه الى صورة الضحية ولكن في هذه المرة ــ ضحية لنفسه ولمخاوفه ويأسه وقصر نظره؟».
ثم تطرق غروسمان الى ما أظهره العدوان الأخير على لبنان الذي قُتل فيه ابنه. وقال إن «أحد الأمور الصعبة التي أبرزتها الحرب الأخيرة هو الشعور أنه لا يوجد لإسرائيل ملك في هذه الأيام. إن قيادتنا فارغة خاوية، القيادة العسكرية والسياسية. وأنا لا أتحدث الآن عن الإخفاقات الظاهرة للعيان حول إدارة الحرب وإهمال الجبهة الداخلية، ولا عن الفساد الصغير والكبير، وإنما أتحدث عن أن الأشخاص الذين يقودون الدولة غير قادرين على ربط الإسرائيليين بهويتهم، ولا بالأجزاء السليمة الخصبة من هذه الهوية».
وأضاف «نحن مواطنو هذا الصراع وُلدنا داخل الحرب وتربّينا في أتونها وتبرمجنا وفقاً لها بدرجة معينة. ربما كان هذا السبب لاعتقادنا أن الجنون الذي نعيش فيه أكثر من قرن هو الأمر الحقيقي الوحيد والحياة الوحيدة التي قُدِّرت لنا، وأننا لا نملك إمكانية أو حقاً حتى للتطلع الى حياة أخرى: قُدِّر لنا أن نعيش على الحراب، وأن نأكلها الى الأبد».
ثم خاطب رئيس الوزراء إيهود أولمرت قائلاً «توجه الى الفلسطينيين. توجه اليهم من فوق رأس حماس. توجه الى المعتدلين بينهم، أولئك الذين يعارضون مثلك ومثلي حماس وطريقها. توجه الى أبناء الشعب الفلسطيني. تحدث الى جرحهم العميق، اعترف بمعاناتهم المتواصلة. لا شيء سينقص منك ومن موقف إسرائيل في المفاوضات المستقبلية». وأضاف «عندما انطلقت الى الحرب الأخيرة لم تنتظر حتى ولو لساعة. انقضضت بكل القوة. بكل السلاح. بكل قوة الدمار. فلماذا عندما يكون هناك شعاع من السلام ترفضه على الفور، ماذا لديك لتخسر؟ تشك بالرئيس السوري؟ اذهب واقترح عليه شروطاً تكشف مؤامرته».