محمد بدير
لملم رئيس الوزراء الإسرائيلي، إيهود أولمرت، أمس أطراف موقف إسرائيل من الملف النووي الإيراني، ليعيد جمعها في خطاب واحد أجمل فيه مقاربة حكومته لهذا الملف من الجهات كافة

فيما كان أولمرت يختصر الموقف من البرنامج النووي الإيراني قائلاً «إن السماح لإيران بالحصول على سلاح نووي هو خطيئة لا يمكن غفرانها»، كان سفيره إلى العاصمة الأميركية يؤكد، بناءً على معرفته الشخصية بالرئيس الأميركي جورج بوش، أنه لن يتوانى عن اللجوء إلى القوة للحؤول دون ارتكاب هذه الخطيئة.
فقد رأى أولمرت، في كلمة ألقاها ليلة أول من أمس أمام مؤتمر لرؤساء الجاليات اليهودية في أميركا الشمالية، أن «لحظة الحقيقة قد حانت في ما يتعلق بإيران»، معلناً أن «إسرائيل لن تتحمل وضعاً يكون فيه لإيران أسلحة نووية». وأضاف إن طهران، إذا تمكنت من إنتاج سلاح نووي «كما نعلم أنها تحاول فعل ذلك، فإننا سندخل في عهد من عدم الاستقرار لم يعرف العالم مثيلاً له من قبل».
وقال أولمرت «لا يمكن أن نسمح لأنفسنا بالانتظار، وعلينا التكلم بصوت واحد». أضاف «لا يمكن المجتمع الدولي أن يسمح لنفسه بالتردد في ما يتعلق بإيران، وعليه أن يفكر في كيفية التحرك ضد التهديد الإيراني»، داعياً الدول العربية، التي وصفها بـ«المعتدلة»، إلى التوحد ضد إيران. وقال «إن تحالفاً من الدول العربية المعتدلة يمكنه، بل يجب عليه، ان يوحّد مصالحه المشتركة في منع ايران من تقويض الاستقرار في الشرق الأوسط»، مضيفاً «لقد رأينا بداية هذا الائتلاف مع نهاية الحرب في لبنان، ويجب الاستمرار في تنميته».
وتطرق أولمرت إلى المباحثات التي أجراها مع الرئيس الأميركي جورج بوش حول هذا الموضوع، مشدداً على أن تصميم الأخير على منع تسلح إيران النووي «لا شك فيه»، ومعتبراً أن الولايات المتحدة بحاجة إلى دعم العالم لتفكيك «هذا الخطر الوجودي».
وعرّج رئيس الوزراء الإسرائيلي، في كلمته، على نتائج العدوان الأخير على لبنان، معتبراً أن «الحرب كان لها إنجازات كثيرة، إلا أننا لم نتمكن من النجاح في شيء واحد، وهو إعادة الأبناء (الجنديين الأسيرين) إلى البيت»، متعهداً بفعل كل شيء من أجل حصول ذلك.
إلى ذلك، ذكرت صحيفة «معاريف» أن أولمرت عرض على بوش، خلال اجتماعه، به خطة سياسية جديدة وُصفت بأنها «أصيلة وشجاعة». ورغم نفي مكتب رئاسة الوزراء الخبر نفياً قاطعاً، نقلت الصحيفة عن مصادر سياسية أميركية وإسرائيلية معلومات تفيد أن أولمرت في طور بلورة أفكار جديدة لتحقيق تسوية مع الفلسطينيين، عبر مفاوضات تساندها الدول العربية ويكون للمجتمع الدولي دور فيها.
وبحسب «معاريف»، فإن الخطة الجديدة، التي ينسق اتصالات بلورتها مستشارا أولمرت يورام طوربوفيتش وشالوم ترجمان، ترتكز على المسار السياسي الجديد الذي صاغته وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني، والمسمّى «انطواءاً بالتوافق». وكانت ليفني قد عرضت خطتها هذه على أولمرت قبل سفره إلى واشنطن.
وتقوم الخطة، التي يُفترض أن تحل محل خطة الانطواء الأصلية، على مبدأ تنفيذ «انطواء جزئي» من الضفة الغربية بالتوافق مع رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، ومن خلال إجراء مفاوضات معه. وستخلي إسرائيل، بموجب ذلك، جزءاً كبيراً من الضفة الغربية، على أن تبقي الكتل الاستيطانية الرئيسية تحت سيطرتها، كتنفيذ لمرحلة أولى من خطة شاملة يناط استكمالها بسلسلة شروط تتعلق بوقف «الإرهاب»، وتأليف حكومة فلسطينية تفي بشروط الرباعية الدولية.
من جهة أخرى، كشف السفير الاسرائيلي، الذي أنهى خدمته في واشنطن، داني ايالون، عن وجود خيبة أمل لدى المؤسسة الأمنية الأميركية من أداء اسرائيل في حرب لبنان الثانية. وأكد أيالون، في المقابل، أن الرئيس الاميركي جورج بوش لن يتردد في استخدام القوة لمنع ايران من استكمال برنامجها النووي في حال استنفاد كل الخيارات الأخرى.
وقال ايالون، في مقابلة مع «معاريف» تُنشر في ملحق نهاية الأسبوع، إنه يعرف بوش عن كثب وهو «لن يتردد في السير حتى النهاية إن لم يكن هناك مفر، ولن يعوّق تحركه وضعه السياسي الداخلي او تدهور مكانته الشعبية».
وحدد ايالون، الذي أنهى خدمة امتدت إلى أربع سنوات ونصف سنة في منصبه كسفير لإسرائيل في واشنطن، مسار عمل بوش في مواجهة ايران على الشكل التالي «أولاً، سيحاول الرئيس استنفاد الخطوة السياسية» مقدّراً نسبة نجاح المساعي السياسية بـ 50 في المئة، وإذا لم تنجح هذا المساعي فإن بوش، وفقاً لأيالون، «سيخطو خطوة اخرى ويفكر في فرض العزلة والحصار على ايران مثلما فعلت الولايات المتحدة بكوبا في حينه». وعندما سئل ماذا لو لم ينجح هذا الخيار أيضاً، أجاب «اذا لم ينجح هذا أيضاً، فهو لن يتردد في استخدام القوة».
وربط ايالون توجه بوش بمزاياه الشخصية وقناعاته. وقال «كل من يعرف الرئيس بوش يعرف أنه جد مصمم. وهو مقتنع بالتفوق الأخلاقي للديموقراطية على الديكتاتورية»، معتبراً أنه، أي بوش، لا يخشى على صورته العامة.
واستشهد أيالون على ذلك بما أسرّ به بوش إليه شخصياً فنقل عنه قوله له «إذا واصلت طريقك، في إحدى اللحظات الصعبة، فإن الناس في نهاية المطاف سيأتون وراءك». ورأى ايالون أن بوش لا يفكر في استطلاعات اليوم أو الغد، بل مقياسه في العمل هو «البعد التاريخي» وأن قاعدته في العمل «ما هو صحيح يقوم به وما هو غير صحيح يمتنع عنه».
وأعرب ايالون عن تخوف اسرائيل من امتلاك ايران للأسلحة النووية. وقال إن «آيات الله مع قنابل (نووية) أمر ليس مقبولاً ويهدد النظام العالمي القائم»، مشدداً على أن الرئيس بوش «لن يسمح بحدوث ذلك، وهو أكد دائماً أن كل الخيارات مفتوحة. اذا نجحت العقوبات، فحسن. أما اذا لم تنجح فسيعمل بكل وسيلة، بما في ذلك العملية العسكرية».
وفي شأن احتمال تكرار السيناريو العراقي في إيران، أكد ايالون أنه «لا يدور الحديث عن عملية بذات الحجم. ولا نية لاستخدام قوات برية كبيرة» وأن الاستراتيجية التي ستُعتمد ترتكز على «استخدام اكبر قدر من القوة الجوية مع دور محدود للقوات البرية».



سفير تل أبيب إلى واشنطن منذ عام 2002. لعب خلال شغله المنصب دوراً كبيراً في تنسيق المواقف بين الدولتين في جملة من المواضيع الرئيسية، ولا سيما تلك المتعلقة بعملية التسوية أو بالحرب على العراق أو العدوان الأخير على لبنان. شغل منصب المستشار السياسي لشارون، وهو عضو في طاقم الحوار الاستراتيجي بين إسرائيل والولايات المتحدة