مهدي السيد
أخذت فضائح الجيش الإسرائيلي طابعاً جنائياً، يُضاف إلى مسلسل فضائحه، من خلال ما كشفته التقارير الإعلامية، وما أقر به الجيش الإسرائيلي، لجهة استخدام أسلحة محرمة دولياً أثناء العدوان الأخير على لبنان وفي شكل مخالف للقوانين الدولية.
وإذا كان مجرد استخدام هذه القنابل يشكل فضيحة أخلاقية لما يتضمنه من مخالفة للقانون الدولي، فإن مسارعة رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، دان حالوتس، إلى التنصل من مسؤوليته عن إطلاق قنابل كهذه، واعتباره أن الأمر تم خلافاً لتعليماته، يثير فضيحة إدارية وقيادية داخل صفوف هذا الجيش، وتزيد من علامات التساؤل عن طبيعته وطابعه وعما إذا كان الأمر يتعلق بجيش نظامي أم ميليشيا أم عصابة مسلحة.
ففي أعقاب صدور العديد من التقارير الإعلامية، داخل إسرائيل وخارجها، عن استخدام الجيش الإسرائيلي ملايين القنابل العنقودية في مناطق مدنية في جنوب لبنان، وتأكيد تقارير الأمم المتحدة هذه الحقيقة، وجدت قيادة الجيش الإسرائيلي نفسها مضطرة إلى فحص الموضوع. وبالفعل أوكل حالوتس رئيس قسم البر في قيادة الأسلحة البرية، العميد ميشيل بن باروخ، مسؤولية فحص طريقة استخدام القنابل العنقودية خلال الحرب. وأظهر التحقيق الذي أجراه بن باروخ، الذي تداولت وسائل الإعلام الإسرائيلية المختلفة مضمونه، أن الجيش الإسرائيلي استخدم القنابل العنقودية خلافاًَ للتعليمات. ودفعت هذه الخلاصة برئيس الأركان إلى المسارعة للتنصل من مسؤوليته عن طريقة الاستخدام، ولجوئه إلى تعيين ضابط برتبة لواء للتحقيق في السبب الذي دفع الضباط إلى خرق الأوامر، وفي المقابل يقوم المدعي العام العسكري بدرس إمكانية فتح تحقيق جنائي في هذه المسألة.
وفور انتشار معطيات التحقيق، وبروز رد فعل رئيس الأركان، ثار سجال حول المسؤول الحقيقي عن هذه الفضيحة، وفي دلالاتها وتداعياتها. وذكرت صحيفة «هآرتس»، نقلاً عن مصادر في الجيش الإسرائيلي، أن حالوتس أعطى تعليمات واضحة عن كيفية استخدام القنابل العنقودية، وأنه حظر، من جملة عدة أمور، إطلاقها على مناطق سكنية، لكن على رغم هذه التعليمات، جرى استخدام القنابل العنقودية في المناطق السكنية، وهذا ما تؤكده معطيات الأمم المتحدة.
ودفع هذا الادعاء بالعديد من الضباط إلى التساؤل عما إذا كان حالوتس لم يعلم فعلاً بما جرى. وقال قائد في وحدة إطلاق قذائف MLRS المسؤولة عن سقوط القنابل العنقودية، متهكّماً «إذا كان رئيس الأركان لم يعلم أين تُطلق النيران، فلا داعي لأن يعلم بأن الجيش الإسرائيلي يرسل قاذفة حربية لقصف أفغانستان»، حسبما نقلت عنه «هآرتس».
وتشكك ميرون ربوبورت، في «هآرتس»، في صحة ادعاء حالوتس عدم علمه، مشيراً إلى أن صور القنابل العنقودية نُشرت في وسائل الإعلام خلال الحرب، ويُفترض بحالوتس أن يعرف أن هذه القذائف فتاكة جداً، وأن عدم معرفة هذه الحقائق يوازي عدم معرفة عدد الفرق العسكرية في الجيش الإسرائيلي. وتساءل ربوبورت «كيف يمكن ألا يعرف القائد الأعلى للجيش أين يُطلق جيشه قذائف تحوي نحو أربعة ملايين قنبلة عنقودية على مناطق مأهولة؟».
والسؤال الذي يُطرح الآن، بحسب ربوبورت، هو «لماذا يعترف الجيش الآن بما نُشر سابقاً في وسائل الإعلام المحلية والعالمية؟». والجواب في رأيه يكمن في أن الاتفاقات التي في إطارها اشترى الجيش الإسرائيلي القنابل العنقودية من الولايات المتحدة، تفرض عليه عدم استخدامها ضد التجمعات السكانية. ودفعت هذه الحقيقة وزارة الخارجية الأميركية إلى فحص ما إذا كان استخدام هذه القنابل في لبنان تم وفقاً لشروط الشراء، ولا سيما أن كل القنابل العنقودية تقريباً التي أُطلقت على لبنان حُصل عليها من الولايات المتحدة ومن أموال المساعدة الأميركية. وهذا على ما يبدو سبب مسارعة الجيش الإسرائيلي إلى إعلان تأليف لجنة تحقيق في الموضوع.
بدورها، اعتبرت صحيفة «معاريف» أن المعطيات التي يكشفها التحقيق تثير الحيرة في معرفة أيهما أشد خطورة: حقيقة إطلاق الجيش الإسرائيلي القنابل العنقودية قرب التجمعات السكنية في لبنان، خلافاً لقوانين الحرب، أم حقيقة عدم التزام أوامر رئيس الأركان وخرقها.