«يديعوت أحرونوت» ــ أليكس فيشمان
ترى منظمة حزب الله، في مخيلتها، جولة عسكرية أخرى مع اسرائيل في كل نقطة زمنية محتملة. وعلى أساس فرضية العمل هذه، تعمل المنظمة، منذ نهاية الحرب، في محاولة لترميم قدراتها العسكرية ومكانتها السياسية. وخلافاً لما هو متوقع، ليس هناك ترميم سريع وكامل. ورغم كل حماسة نصر الله فإن منظمته ضُربت كما ينبغي. ليس عندنا فقط يريدون شطب 12 تموز من الرزنامة، هم أيضا نادمون على هذا اليوم. وتيرة ترميم حزب الله تجري وفقاً لقدراته المصابة ووفقاً للتغيّرات السياسية في الساحة الدولية واللبنانية والجنوبية على وجه الخصوص. ومما يبدو اليوم من الجانب الاسرائيلي للحدود، فإن عملية الترميم ستستغرق أشهراً طويلة وربما أكثر من ذلك.
ويجري الترميم على ثلاثة مستويات: على المستوى العسكري، يعمل حزب الله اليوم على الانتشار على خط جديد في جنوب لبنان. فهو فقد خط مواقعه على طول الحدود مع اسرائيل حيث يرابط اليوم جنود الجيش اللبناني. وتضطر المنظمة إلى إخلاء جزء من «المحميات الطبيعية» ــ تلك المناطق العسكرية المغلقة التي رابطت فيها قواتها على مسافة غير بعيدة من الحدود الاسرائيلية. وينتشر حزب الله الآن في خط أبعد شمالاً، وإن كان لا يزال جنوبي الليطاني. المركز الكبير لـ«المحميات الطبيعية» في وسط جنوب لبنان لا يزال تحت السيطرة الكاملة لحزب الله ويعرف بـ«المنطقة العسكرية المغلقة»، بموافقة الجيش اللبناني وقوات الأمم المتحدة. وفي القرى الواقعة على الخط الجديد لحزب الله، اشترت المنظمة، أو استأجرت، مباني مدنية تستخدمها مخازن للمعدات العسكرية والوسائل القتالية.
وفي المقابل، يستخلص حزب الله دروساً تكتيكية من الجولة السابقة ويبلور خططاً عملانية جديدة. بعض المفاجآت العملياتية لديه تآكلت، وليس في حوزته مواقع عسكرية متقدمة، ولهذا فهو يحاول تطوير أساليب جديدة. وعلى سبيل المثال، يحاول حزب الله التعويض عن النقص في المواقع على طول خط الحدود من خلال التسلل الى المنطقة تحت غطاء صحافيين أو مواطنين أبرياء ــ وتنفيذ عمليات استطلاع على إسرائيل.
فقد حزب الله نحو 650 مقاتلاً في المعارك، أي نحو 10 في المئة من قوته النظامية. وهذه ضربة غير بسيطة. ثمة خطوات أولية لتجنيد الناس، وبداية تدريبات، إلا أن هذه الماكينة لم تعمل بعد. جزء من التدريبات يجري في إيران، وحركتها لا تزال عرجاء. في هذه اللحظة، لا بديل من المقاتلين أصحاب الخبرة الذين قتلوا.
في جنوب لبنان اليوم نحو 12 ألف جندي لبناني و5500 جندي من القوة الدولية. رجال حزب الله ملزمون بالتحرك غير مسلحين، وحركتهم محدودة. هناك اتفاقات هدفها منع الاحتكاكات، ولكنهم لم يعودوا أرباب البيت الوحيدين على الارض.
بناء الشق الاستراتيجي الذي دُمِّر في الأيام الأولى للقتال ــ شبكة الصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى ــ يجري بشكل أبطأ من غيره. ففي الاسبوع الأول لوقف النار، أوقف الجيش اللبناني شاحنة محملة بالمعدات العسكرية كانت تحاول التسلل من سوريا الى لبنان، ولكن هذا كان حدثاً شاذاً وفريداً. حتى وقت قريب، لم ينقل السوريون الصواريخ الى لبنان وذلك ايضاً لأسباب سياسية، ولكن في الأسبوع الأخير، هناك أدلة أولية على بداية تسرب معدات من نوع كهذا الى لبنان. لا يبذل الجيش اللبناني جهداً كبيراً في منع هذا التسرب، والأميركيون والأوروبيون يطالبون إسرائيل بأدلة على هذا الزعم كي يكون ممكناً الدفع باتجاه آلية العقوبات على سوريا وإيران.
مستوى آخر يهتم حزب الله به هو ترميم مكانته في الطائفة الشيعية. هنا تُعنى المنظمة بمعالجة أمر 12 ألف عائلة أصيبت منازلها، منها 6 آلاف عائلة هدمت منازلها تماماً في جنوب لبنان. يدفع حزب الله 12 ألف دولار للعائلة، وهو مبلغ لا يكفي لاجتياز الشتاء. وحيال الأموال التي يمنحها حزب الله، هناك «مشروع مارشل» لرئيس الوزراء اللبناني السنيورة، حيث هناك الكثير جداً من المال. يجد حزب الله صعوبة في تجنيد الأموال أكثر من أي وقت مضى، وذلك ايضاً لأن اسرائيل دمرت شبكته المصرفية، وأيضاً لأن الادارة الاميركية تمارس عقوبات أكثر نجاعة على نقل الأموال إليه.
على المستوى السياسي اللبناني الداخلي، يقف حزب الله ــ الى جانب السوريين والايرانيين ــ في حالة انتظار. وتستثمر هذه الجهات الثلاث جهداً للوقوف في طريق رئيس الوزراء السنيورة. الثلاثة ينظرون بعيون تعبة الى المعارضة الواضحة الناشئة ضدهم داخل السياسة اللبنانية. ورغم كل ذلك، ورغم أن حزب الله يحتاج الى أشهر من الهدوء في محاولة ترميم قدراته ومكانته، فإنه إذا ما شعر بأن إسرائيل تمارس استفزازات حياله، فسيفتح النار من جنوب لبنان، حتى لو لم يكن مستعداً بعد لخوض جولة أخرى.