هآرتس» ــ ألوف بن
نضح خطاب أولمرت، في افتتاح الدورة الشتوية للكنيست، بالأمور الجديدة. قبل كل شيء، مظهره الخارجي تغير. فقد غير قصة شعره، بقرار اتخذه، بحسب مساعديه، قبل أسبوعين ونصف. بهذا يكون قد اقتدى بصديقه رئيس بلدية نيويورك السابق، رودي جولياني، الذي انعطف انعطافة مماثلة بعد هجمات أيلول. قد تكون حرب لبنان أثّرت تأثيراً مشابهاً على أولمرت.
أما التغيير في سياسة أولمرت فكان أكثر دراماتيكية؛ فمقارنة خطابه أمس مع خطاب تقديمه حكومته أمام الكنيست في الرابع من أيار، تكشف عن فوارق مهمة. فحينها، وضع أولمرت على رأس جدول الأولويات تحديد الحدود بين إسرائيل والفلسطينيين، باتفاق أو من دون اتفاق. ومما قاله في حينه: «إن تقسيم البلاد بهدف تحقيق أغلبية يهودية هو حبل النجاة بالنسبة للصهيونية». وفي مقابلة مع «هآرتس» عشية عيد رأس السنة العبرية قال أولمرت: «الأمر الأساسي الذي أراه هو إعطاء الأولوية للتعامل مع المشكلة الفلسطينية».
الظروف تغيرت منذ ذلك الوقت: إما أن تكون الصهيونية قد أُنقذت وتمت ضمانة الأغلبية اليهودية، وإما أن تكون الإشكالية الفلسطينية قد حُلّت بطريقة ما. لدى رئيس الحكومة الآن أمور أكثر أهمية للاهتمام بها: تغيير نظام الحكم، وسن دستور، وتعزيز الاستقرار في المؤسسة السياسية. كل هذه الأمور لم تذكر ولو تلميحاً في البيان الوزاري لحكومة أولمرت، كما أنها لم ترد في خطاب القسم.
قبل أسابيع، عندما نشرت «يديعوت أحرونوت» في عنوانها الرئيس نية أولمرت تغيير نظام الحكم، رد ديوان رئاسة الحكومة فوراً بالنفي الحاسم ورأى في الخبر أحبولة إعلامية. حتى إن أولمرت نفى في المساء نفسه الأمر، وقال إن «مشكلة الاستقرار السياسي والبرلماني تستأهل درساً معمّقاً». الآن رقّيت الأحبولة ووضعت على رأس الأجندة السياسية.
ما الذي حصل؟ هل اكتشف أولمرت شيئاً في السياسة الإسرائيلية لم يكن يعرفه سابقاً؟ هل الاستقرار السياسي اهتزّ فجأة؟ يقولون في مكتب أولمرت إن التحول في موقفه نشأ عن المفاوضات الائتلافية مع أفيغدرو ليبرمان. فإذا كان ليبرمان مصرّاً على تغيير نظام الحكم، فإن هذه المشكلة هي الأكثر إلحاحاً وتوجب المعالجة في الدورة الحالية للكنيست. إلا أن ليبرمان لا يكتفي بتغييرات هيكلية في النظام، بل يقترح سن دستور ــ فكرة لا تقل تبجحاً عن تحديد الحدود مع الفلسطينيين، إن لم تكن أكثر تعقيداً.
لدى أولمرت تجديدات أخرى. لقد زاد من حدة تطرقه للتهديد النووي الإيراني. في الربيع كان يقول عنه إنه «ظل ثقيل على المنطقة وتهديد للسلام في العالم». وأمس أصبح «تهديداً وجودياً لإسرائيل وللسلام في العالم». وفي السياق نفسه، حدّد أولمرت مطالبه من المجتمع الدولي لجهة منع إيران من حيازة السلاح النووي، وأكّد أن القضية ستكون محور لقاءاته القريبة مع الرئيسين الروسي والأميركي. هنا اقترب أولمرت من موقف رئيس المعارضة بنيامين نتنياهو، الذي يطالب منذ مدة بوضع إيران على رأس الأولويات السياسية والأمنية الإسرائيلية.
مفاجأة أخرى لرئيس الحكومة تتعلق بالعلاقة بين الدولة والدين: البيان الوزاري يؤكّد الوضع القائم «الستاتيكو» في هذا الشأن. الآن، في الدورة الحالية، يريد أولمرت أن يضمن «الطابع اليهودي» لإسرائيل، وإنجاز «قرار في مجال التهويد وطابع السبت»، أي تغيير التسويات القائمة. عندما قدم حكومته، دعا أولمرت إلى تحسين المنظومة التربوية، من خلال ضخ «المعرفة والخبرة المهمة في العالم العصري» لكل التلاميذ. أمس، وعد فقط بإرساء حقوق التعليم الحريدي في إطار قانوني. حاجات التربية العامة اختفت.
لكل التحديثات والمفاجآت التي أطلقها أولمرت ثمة دافع مشترك: رغبته في البقاء على الكرسي وتوسيع الائتلاف، من أجل ضمان تمرير الموازنة وتحصين نفسه إزاء تمرّدات وكمائن قد تصدر عن حزب العمل. هكذا يجب أن نفهم خطاب الأمس. العبرة من تصريحاته هي أن مواقفه تناسب لحظتها فقط، وتتغير وفقاً للضرورات السياسية.