هآرتس ــ آري شابيط
حتى التحقيقات العسكرية التي يجريها الجيش لن تنجح في تمييع الحقيقة: حرب لبنان الثانية كانت فشلاً ذريعاً. لم يكن الفشل فيها موضعياً أو محدوداً في بقعة أو مكان. لم يكن قائد هذه الفرقة أو تلك هو الذي فشل. كما لم تكن هذه الفكرة العملياتية هي التي فشلت. جيش الدفاع الإسرائيلي فشل. الإدارة السياسية فشلت. الجسم الإسرائيلي السيادي فشل. حرب 2006 كانت حرب إخفاق من بدايتها إلى نهايتها.
ولكن بعد شهرين من سقوط آخر صاروخ كاتيوشا على حيفا أصبح واضحاً أن الإخفاق في الحرب يبدو شاحباً مقارنة بإخفاق ما بعد الحرب. رغم لعناتها، ثمة خير أيضاً في حرب لبنان الثانيةلقد أشعلت الضوء الأحمر، وكشفت أمام إسرائيل نقاط ضعفها وعيوبها، وأثبتت للجميع أن ثمة تعفناً في مملكتنا. ولقد أظهرت لكل من له نظر بأن هذا التعفن خطير. أظهرت أن الفساد قاتل، وأن الثقافة السياسية قاتلة، وأن الضحالة الفكرية قاتلة، وأن الزعامة عديمة المسؤولية قاتلة، وأن الاستخفاف والتهكم والخداع كلها قاتلة. أظهرت أن الأزمة القيمية في إسرائيل تشكل خطراً على وجود دولة إسرائيل.
بهذا المعنى، يمكن القول إن حرب لبنان الثانية منحت إسرائيل فترة سماح غريبة. لقد منحت إسرائيل، بصورة مأسوية جداً، وبثمن 160 قتيلاً، فرصة تاريخية نادرة. لم تنكشف الإخفاقات خلال سيطرة قوات كوماندوس سورية على جبل حرمون، أو إبان قيام صواريخ شهاب إيرانية بشلّ محطة الطاقة في الخضير، أو لدى مصرع ألف مواطن إسرائيلي في حدث غير تقليدي في منطقة تل أبيب. الإخفاقات تكشّفت في ظروف أكثر راحة نسبياً. في وضع الجمهور فيه متماسك، والاقتصاد مزدهر والبورصة في تصاعد. وفي وضع لا يزال فيه روتين الحياة الطبيعية متدفقاً بكل عنفوانه.
إلا أن نافذة الفرص التي فتحتها حرب لبنان الثانية ليست نافذة فرص طويلة المدى. فلا أحد يعرف متى سيحدث التدهور مجدداً في جنوب لبنان الشيعي. ولا أحد يعرف متى ستندلع الحرب «مرتفعة الاحتمال» مع سوريا. ولا أحد يعرف متى ستحين لحظة الحقيقة في مواجهة إيران. ولكن من الواضح تماماً أن واحدة من جبهات إسرائيل الأربع مع الإسلام المتطرف ستندلع في المستقبل المنظور. ومن الواضح تماماً أن خطر اشتعال جبهات عديدة في آن واحد هو مسألة قائمة أيضاً.
وعليه، فإن نتيجة الحرب الفاشلة في لبنان كانت مزدوجة: هي قرّبت جداً الحرب المقبلة من جهة، ومنحت إسرائيل فرصة للاستعداد لها من جهة أخرى. كما أنها حثّت المتعصبين في الشرق الأوسط على معاودة الهجوم وبقوة أكبر، إلا أنها أيضاً ألمحت للإسرائيليين بأن عليهم أن يستيقظوا من سباتهم وأن يتفحّصوا أنفسهم بسرعة قبل أن تأتي ساعة الاختبار القومي الأكبر.
المتعصبون يدركون نتائج الوضع الاستراتيجي الجديد الذي تمخضت عنه الحرب. وهم يتحرّكون وفقاً لذلك: حزب الله وحماس يتسلحان، وسوريا تستعد، وإيران موجودة في حالة زخم. في مقابل ذلك، يدركون في إسرائيل الوضع الاستراتيجي بصورة لا بأس بها، ولكنهم لا يفعلون إلا القليل القليل. الجيش غارق في حالة كآبة وتوهان. والسياسة مشغولة في البقاء والدسائس والتضليل. الجمهور حائر ومضطرب. ليس هناك صحوة ولا تفحّص للوضع الداخلي أو استعداد جدّّي لما هو آت.
الفشل في الحرب هو حدث جسيم، إلا أنه ليس حدثاً مبرماً. فالأمم تفشل في الحروب وتتعلم من دروسها وتنهض من جديد. أما فشل ما بعد الحرب فهو حدث أشد خطورة وبلاءً. إذا تعرض جسم للهجوم ولم يقرر المواجهة، رغم إدراكه بأنه يتعرض لهجوم، فإنه لن يتمكن من التعافي. وإذا أدمن جسم، يعلم بأنه مريض، على مرضه، فإن وضعه يصبح ميؤوساً منه تقريبا. لن يعمل جهاز المناعة بعد ذلك، وستتحول قوة الحياة فيه إلى الأفول.
الأوان لم يفت بعد. لا تزال هناك إمكانية لاستغلال صدمة الصيف من أجل تغيير المسار. ولا يزال من الممكن تحويل الإخفاق في العام 2006 إلى نقطة انطلاق للإصلاح. ولكن الأيام تمضي، والاحتمالات مفتوحة، والأفق آخذ في التكدّر، وفشل الحرب الذي منيت به حكومة أولمرت لا يُقارن بفشل ما بعد الحرب الذي تسببت به.