هآرتس» ــ زئيف شيف
تنشر «الأخبار» ترجمة مقال لزئيف شيف في صحيفة «هآرتس» يوضح فيه طبيعة النقاش الذي دار عشية بدء العدوان على لبنان، وكيف صيغت أهدافه، التي يبدو أن تعديلات عديدة ادخلت عليها

خلافاً لحروب إسرائيل في السابق، لم تكن أهداف الحرب على حزب الله واضحة بشكل كاف بالنسبة إلى الجمهور والزعماء السياسيين، ومن بينهم أولئك الذين شاركوا في جلسة الحكومة التي جرى فيها إقرار الأهداف. والذين عرفوا الأهداف، لم يحرصوا في خطاباتهم على استخدام الصيغة الدقيقة، وقاموا بتغيير الأهداف المحددة، وإن لم يقصدوا ذلك، وبذلك زادوا مستوى الحيرة والإرباك. حتى إنه خلال الحرب غُيِّرَت صيغة الأهداف وأُدخلت تعديلات اليها، بحيث تغيرت دلالاتها ومغازيها. وتتيح عملية مراجعة الوثائق اكتشاف التغييرات التي حصلت.
الثالث عشر من تموز 2006، بعد يوم على أسر جنديين إسرائيليين في الحدود الشمالية، قدم رئيس الأركان الفريق دان حالوتس، اقتراح الجيش الإسرائيلي إلى الحكومة عن أهداف الحرب. وفي جلسة الحكومة التي بحثت صيغة الاقتراح، شارك إضافة إلى حالوتس نائبه اللواء موشيه كابلنسكي، ورئيس شعبة الاستخبارات اللواء عاموس يدلين. وسبق تقديم المسودة إلى الحكومة بحث طويل في هيئة الأركان وصيغت في شعبة العمليات برئاسة اللواء غادي آيزنكوت، الذي يشغل اليوم منصب قائد المنطقة الشمالية. وحملت الوثيقة عنوان «الجدوى الاستراتيجية»، لا «أهداف الحرب».
ومن خلال المداولات التي سبقت التعريف النهائي للأهداف يمكن حل لغز السبب الذي دفع الجيش إلى أن يكتفي بحرب محدودة على حزب الله.
ثمة نقاشان جوهريان نشبا داخل هيئة الأركان خلال صياغة الأهداف. الأول، تناول الأسيرين؛ فقد جاء في المسودة الأولى أن أحد الأهداف هو «إعادة الأسرى». لكن حالوتس عارض هذا الأمر مدعياً أنه قد يُفسر من الناحية الدولية كما لو أن إسرائيل شنت حرباً بسبب جنديين. وبما أن كثيرين سيُقتلون وستقع أضرار هائلة، فإنه لا يقترح خلق مثل هذا الانطباع. وأضاف حالوتس أن من الصعب كثيراً تحقيق مثل هذا الهدف من الناحية العسكرية. وهكذا جرت الموافقة على الصيغة كما وردت في «الجدوى الاستراتيجية» (للحرب): «ممارسة الضغط على حزب الله لإعادة الأسرى». وعلى كل حال، من الواضح أن الجيش الإسرائيلي لم ينجح في تحقيق هذا الهدف.
النقاش الثاني تناول مسألة الهدف الاستراتيجي للحرب. فقد اقترحت إحدى المجموعات وجوب تحقيق «القضاء على حزب الله». وكان هذا الموقف هو الخط الرائد في البداية. وسيطر على الجلسة تقدير الاستخبارات الذي يفيد بأنه بعد انسحاب سوريا من لبنان، وفي أعقاب قرار مجلس الأمن، فقدت إسرائيل رافعة للضغط على حزب الله. وفي ظل غياب مثل هذه الرافعة، اعتقد المشاركون أن إسرائيل ستجد صعوبة في الوصول إلى انجازات جارفة في مقابل حزب الله. ومن اللحظة التي تراجع فيها التأثير السوري على حزب الله، ازداد التأثير الإيراني عليه.
حُسم هذا النقاش ضد اختيار الهدف الأقصى «القضاء على حزب الله»، في أعقاب الموقف الذي عرضه نائب رئيس الأركان كابلنسكي، الذي أشار إلى أنه لا يمكن القضاء على تنظيم غواري على غرار حزب الله عبر ضربة عسكرية واحدة، حتى لو كانت بالغة الشدة والقوة، ولا سيما أن حزب الله منتشر في كل لبنان، لا في جنوب لبنان ومنطقة بعلبك فقط. فمن أجل القضاء على قوة منتشرة على أرض واسعة بهذا الشكل، أوضح كابلنسكي، سيتعين على الجيش الإسرائيلي احتلال مناطق كبيرة من لبنان، على الأقل حتى بيروت وأجزاء منها، ولن يكون الأمر متعلقاً باحتلال لفترة قصيرة.
كان لصدمة حرب لبنان من العام 1982 تأثير نفسي على من بحث إمكان ترك الجيش الإسرائيلي في لبنان لفترة طويلة، ولا سيما في فترة الشتاء المقبل. وفي جميع الأحوال، فقد بدا أن شن حرب لاحتلال لبنان والسيطرة على أجزاء كبيرة منه ستشكل هدفاً يؤدي بالضرورة إلى حرب طويلة.
هذا التقدير غير الهدف العملاني من «القضاء على حزب الله» إلى «المس جوهرياً» به. ليس «تصفية» وليس «تحطيما»، كما قال بعض الزعماء في إسرائيل. وإذا برزت توقعات إزاء تحطيم حزب الله، فيجب توجيه الادعاءات حول عدم تحققها إلى أولئك السياسيين.
إن التقليص على مستوى الهدف المتعلق بحزب الله حوّل العملية الإسرائيلية إلى حرب محدودة. لقد كان لهذا الأمر مغاز عملانية. وفي اعقاب التقليص، اضطر الجيش الإسرائيلي إلى التركيز على ثلاث مناطق فقط، تشكل مراكز الثقل: منطقة جنوب لبنان، حيث ينتشر لواء «نصر» التابع لحزب الله؛ منطقة بعلبك، حيث يوجد المركز اللوجستي للحزب؛ وحي الضاحية في بيروت، حيث قيادة الحزب والعديد من مؤسساته. ويحتمل أن يكون هذا الميل قد عزز نهج أولئك الذين فكروا بالأساس بمفاهيم العملية الجوية الواسعة والاعتماد بشكل أقل على العملية البرية.
وفي منطقة الجنوب، بدأت عملية عسكرية بهدف تدمير مواقع حزب الله على طول الحدود، بداية بعمق كيلومتر واحد وبعد ذلك بعمق كيلومترات معدودة؛ أما في بعلبك فقد ركزت القوات على القصف الجوي وعلى عمليات الكوماندوس الخاصة؛ وفي الضاحية عمل سلاح الجو فقط، حيث أطلق نحو 500 قنبلة بتوجيه موضعي. وحُدد لكل واحدة من هذه القنابل تقريباً علامة دقيقة كهدف ــ مكاتب حزب الله، ومؤسساته، ومقاره، والملاجئ أو بيوت القادة. لكن رغم الدمار الذي ظهر على شاشات التلفزة، لم تكن هذه القنابل من النوع الذي يهدف إلى تدمير كل شيء بصورة منهجية، متراً وراء متر. وهذا ما حصل أيضاً خلال الحرب العالمية الثانية، وفي فيتنام أحياناً.
في خضم الحرب، جرى إدخال بعض التغييرات على قائمة أهدافها. ويدل هذا الأمر على أن هذه الحرب لم يكن مُخططاً لها مسبقاً بكل تفاصيلها، أو أن الذين خططوا لها نسوا دراسة ملفات قديمة. وقد تذكروا فجأة أن إيران تؤدي دوراً مهماً في الحرب؛ وأن ثمة سلاحاً إيرانياً كبيراً يُستخدم من قبل حزب الله؛ وأن بعض الخطط المعينة للأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، يحصل على موافقة من إيران؛ وأن الإيرانيين يدربون حزب الله ويساعدونه في التخطيط لبعض العمليات؛ وأن مدربين إيرانيين وعناصر من حرس الثورة يقيمون في لبنان. لذلك أضافوا لاحقاً إلى قائمة أهداف الحرب في وثيقة «الجدوى الاستراتيجية» الجملة التالية : «تقليص التدخل والتأثير الإيرانيوثمة إضافة أُخرى تتطرق إلى حزب الله. فقد أُضيف إلى ما بدأ: كـ «المس الجوهري» بالحزب، نية مستقبلية: يتعين منع إعادة بناء حزب الله. وهكذا جاء في الوثيقة أنه يتعين العمل لـ«منع ترميم» حزب الله. ومثل هذا القول يحمل دلالة اليوم عندما يتم الانهماك بمنع نقل السلاح والعتاد من سوريا وإيران إلى لبنان.
الإضافة الثالثة تتعلق بقادة حزب الله. فقد كانت الصياغة تحمل جملة «قطع رؤوس»، ومن الغريب أنهم لم يفكروا بهذا الأمر عند بدء الحرب. لكن من الواضح الآن أن فشلاً بارزاً سُجل في هذا البند تحديداً؛ فقد نجح قادة حزب الله في الاختباء فور بدء الحرب وتهربوا من المس بهم حتى نهايتها.
بشكل مفاجئ، ورغم التعديلات والإضافات على قائمة الأهداف، لا يوجد في وثيقة «الجدوى الاستراتيجية» ولو كلمة واحدة على التصدي لصواريخ الكاتيوشا وصواريخ حزب الله. ويبدو أنهم في هيئة الأركان لم يفكروا قط بهذا الأمر، رغم أنه كان الأكثر أهمية بالنسبة للداخل وللسكان المدنيين. فقد كان للكاتيوشا تأثير نفسي على الجمهور الإسرائيلي؛ وهي خلقت فجوة من الثقة بين الجمهور والجيش والوزارات المعنية؛ وهي التي حددت إلى حد كبير انتهاء الحرب والطابع الذي ظهرت فيه الحرب في إسرائيل، وفي العالم العربي وفي العالم بشكل عام.
بعدما أُجملت «الجدوى الاستراتيجية»، جرت صياغة المهام المختلفة لقوات المنطقة الشمالية؛ «قيادة المنطقة ستستهدف بشدة حزب الله؛ قيادة المنطقة ستستعد لإنقاذ الأسرى؛ ستتهيأ لتدمير أهداف حزب الله قرب الحدود، ومن المحتمل شن هجوم على قرية الغجر؛ قيادة المنطقة ستعمل على تشويش إطلاق الكاتيوشا».
موضوع الكاتيوشا مذكور في المكان الخامس فقط. ولا يدور الحديث عن وقف النار، ولا على السعي لوقفه، بل فقط عن تشويش وعرقلة إطلاقه. من هنا، لم يدرك من صاغ الأهداف المغزى الاستراتيجي والنفسي لقصف المستوطنات الإسرائيلية، إلى حين دخول وقف النار حيز التنفيذ».
لذلك، يرى كثيرون أن إسرائيل فشلت أيضاً في وقف إطلاق الكاتيوشا باتجاهها، وأن وقف النار هو الذي أفضى إلى وقف اطلاق الكاتيوشا. وبالنسبة إلى كثيرين، ولا سيما في العالم العربي، شكل هذا الأمر دليلاً على أن حزب الله لم يصمد قبالة الجيش الإسرائيلي بنجاح فحسب، بل إنه تمكن أيضاً من أن يرى الحرب على أنها انتصار بالنسبة له. ومثل هذه الصياغة حول جوهر التصدي للكاتيوشا في جنوب لبنان يمكن أن يشير أيضاً إلى أنهم لم يُفكروا بعملية برية، وأنهم فكروا أنه يمكن وضع حد لعمليات القصف هذه بالتعاون مع سلاح الجو.
من بين الأهداف التي حددتها إسرائيل لنفسها، فشلت إسرائيل في جهودها لتقليص اطلاق الكاتيوشا باتجاهها بشكل جوهري: فقد سقط على إسرائيل نحو 3017 صاروخاً خلال الحرب. كما أن إسرائيل لم تنجح في خلق الظروف التي تضمن عودة سريعة للجنديين الأسيرين.
لقد نجحت إسرائيل في المس بحزب الله بصورة جوهرية. فمواقعه وبناه التحتية أُبعدت عن منطقة الحدود؛ والمنظومة الدولية وحكومة لبنان قامت بخطوة هامة من خلال تشكيل قوة دولية في جنوب لبنان، والجيش اللبناني ذهب إلى الجنوب وانتشر قرب الحدود مع إسرائيل؛ وبقيت سوريا خارج الحرب. صحيح أنها زودت حزب الله خلال الحرب بصواريخ مست بإسرائيل، لكن رغم ذلك، تقرر في الحكومة عدم جر سوريا إلى الحرب. أما بالنسبة إلى تعميق الردع الإسرائيلي، فهذا ما ستقرره الأيام المقبلة.



«وثيقة الأهداف»
في ما يلي نص وثيقة الأهداف للعدوان على لبنان كما صاغها جيش الاحتلال الإسرائيلي:
"تعميق الردع الإسرائيلي في المنطقة وبلورة منظومة علاقات رسمية مع لبنان. وقف الارهاب من المجال السيادي اللبناني تجاه دولة إسرائيل، ودفع الحكم اللبناني والمنظومة الدولية إلى تنفيذ مسؤوليته السياسية، ومن ضمنها السيطرة الأمنية في جنوب لبنان. ممارسة الضغط على حزب الله لإعادة الجنديين المخطوفين. كل ذلك في ظل استهداف حزب الله بشكل جوهري، ومنع ترميمه وتقليص التأثير والتدخل الإيراني. وفي الوقت نفسه، يتعين ترك سوريا خارج المعركة وتقليص الصلة مع الحلبة الفلسطينية".



«آمان» توقّعت الفشل في لبنان
كشفت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية أمس، أن تقريراً مفصلاً أعدته الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (آمان)، وقُدِّم إلى الحكومة بعد يومين من بدء العدوان على لبنان، حذّر من أن الخطة العسكرية التي اعتمدت للحرب لن تحقّق الأهداف التي حددتها الحكومة، والمتمثلة بإعادة الجنديين الأسيرين وتوجيه ضربة قاصمة إلى حزب الله. وأشار التقرير إلى أن القصف الجوي المكثف والعمليات الموضعية المحدودة يمكنها فقط أن تحقق إنجازات ضئيلة. كما يشير إلى أن ضباطاً ميدانيين فوجئوا بالقدرات القتالية لحزب الله، علماً بأنهم كانوا يتوقعون خصماً قوياً أعدّ نفسه لحرب دموية.
ونقلت «واشنطن بوست» عن مسؤولين في وزارة الخارجية الإسرائيلية، اطلعوا على تقرير «آمان»، قولهم إن «السؤال الذي يشغلنا هو لماذا اختار الجيش نهجاً لا يشمل استراتيجية إنهاء للقتال. فكما هو معلوم لنا، لم يكن لديهم (الجيش) مثل هذه الاستراتيجية».
وبحسب هؤلاء المسؤولين، فإن الحكومة شنّت هجوماً واسعاً على لبنان من دون أن يكون لديها خطة عن كيفية تحقيق أهدافها.