محمد بدير
بُعيد الحرب، سبق وزير الدفاع الإسرائيلي عامير بيرتس الجميع في محاولاتهم لاستباق تطور الأحداث باتجاه يتساوق ومخاوفهم، فعيّن لجنة برئاسة قائد الأركان الأسبق أمنون شاحاك، لدراسة مكامن الخلل والقصور العسكري التي كشف عنها عدوان لبنان.
قيل في حينه، إن الخطوة تهدف إلى قطع الطريق على تأليف لجنة تحقيق رسمية (دولتية)، وهي لجنة يخشى كل سياسي في إسرائيل سطوتها، ويرى فيها تهديداً على مستقبله السياسي. أمس، طوى بيرتس تلك الصفحة، وأعلن تأييده لتأليف لجنة كهذه، في موقف تبنّته كتلة حزب العمل البرلمانية في اجتماع لها.
في ما يأتي محاولة لفهم هذا التحول وتداعياته:
أولاً: يهدف بيرتس من وراء موقفه الجديد إلى استيعاب حركة التمرد القائمة داخل حزبه، والتي يدعو أعضاؤها إلى تأليف لجنة دولتية للتحقيق في إخفاقات حرب لبنان. كما أنه يسعى إلى مجاراة الرأي العام الإسرائيلي الذي تظهر استطلاعات الرأي ميله بغالبية كبيرة إلى المطالبة بلجنة كهذه.
ثانياً: من الناحية القانونية، لا يُلزم موقف كتلة حزب العمل وزراء الحزب في الحكومة بالتصويت وفقاً له، إنما هو ملزم بأي تصويت برلماني. ومع إعلان ثلاثة وزراء، من أصل سبعة، اعتزامهم التصويت ضد هذا الموقف، ووجود غالبية بين وزراء حزب كديما مؤيدة لقرار أولمرت بأن تكون اللجنة حكومية، يصبح محسوماً أن الأمور في الحكومة لن تتجه إلى تبنّي هذا الموقف في اجتماعها المقبل. بهذا يكون بيرتس قد سجّل موقفاً شعبياً من جهة، ورمم زعامته المتصدعه داخل حزبه من جهة أخرى، من دون أن يهدد الائتلاف الحكومي، أو يقود إلى أزمة حكم يكون هو من بين ضحاياها.
ثالثاً: يريد بيرتس، من خلال موقفه الجديد، القول إنه إذا كان لا بد من تحقيق جدي لتحديد المسؤوليات بشأن الفشل، فليكن «عليّ وعلى أعدائي».إنه يظهر استعداداً لأن يكون رأسه تحت مقصلة التحقيق، لكن ليس منفرداً. التشديد في خطابه أخيراً، على أنه تصدى خلال إدارة الحرب لتقصيرات خلّفها أسلافه في المنصب، يؤكد هذا المعنى. وهو يتأكد أكثر حين نعلم أن بعض «أسلافه» هؤلاء يُعدّون من بين أبرز «المستورثين» له: إيهود باراك الذي يتحين الفرصة للانقضاض على زعامة الحزب، شاؤول موفاز المنافس الدائم على وزارة الدفاع، وبنيامين بن إليعايزر وزير الدفاع إبان فترة «تسلح» حزب الله في لبنان. إلى ما تقدم، يمكن أن نضيف خشية مبررة لدى بيرتس من «طبخة» يجري إعدادها بين أولمرت وحالوتس لتحويله إلى كبش فداء، وتعزز هذا التخوف لديه طريقة تأليف اللجان وخضوعها في ذلك لاعتبارات تراعي مصالح من ألّفها أولاً.
إن الكباش السياسي الخفي حول موضوع لجان التحقيق في إسرائيل، يعكس حقيقة واحدة مفادها أن مرد الخلافات بهذا الشأن ليس مهنياً، أو قانونياً، أو غير ذلك. القضية الأساس بالنسبة إلى الجميع هي صراع بقاء، ولجان التحقيق هي وسيلة في هذا الإطار ذات طابع وظيفي بامتياز. قد يكون التحقيق في مكامن الفشل مهمّاً، إلا أن الأهم هو درء التهمة عن النفس وتوجيهها نحو آخرين.