strong>يدور في إسرائيل جدل حول ضرورة إعادة تحديد طبيعة الاخطار التي تتربص بإسرائيل وكيفيـة مواجهتها، مع اقتراحات بتغيير النظرية القتالية للجيش ومعها الأحلاف الاستراتيجية.مهدي السيد

في موازاة النقاش الدائر في إسرائيل حول نوعية وطبيعة اللجان التي يتعين تأليفها للتحقيق في نتائج العدوان الفاشل على لبنان، تشهد الصحف الإسرائيلية نقاشاً آخر يدعو إلى ضرورة التنبه للخطرين الرئيسيين اللذين تواجههما إسرائيل وهما حركات المقاومة والخطر الإيراني. ويرى كثير من المحللين والخبراء الاستراتيجيين ضرورة لجوء أصحاب القرار في إسرائيل إلى التفكير بحلول استراتيجية جديدة على مستوى النظرية القتالية للجيش، والخيارت السياسية الاستراتيجية، ولا سيما طبيعة التحالفات الاستراتيجية.
وطرح المحلل الاستراتيجي في «هآرتس»، رؤوبان بدهتسور، تساؤلات عميقة عن النظرية القتالية للجيش الإسرائيلي، مع جملة من الحلول والاقتراحات المثيرة للاهتمام. ويتساءل بدهتسور إذا كان يجب تغيير النظرية القتالية للجيش الإسرائيلي، وهيكلية الجيش المستمدة منها، في ضوء نتائج الحرب على لبنان. وبرأيه، فإن هذا السؤال يجب أن يشغل بال قيادة الجيش، من دون أي صلة بضرورة التحقيق بطريقة إدارة الحرب من قبل القيادة. وهو يرى أن «من الخطأ التركيز فقط على إخفاقات الجيش على المستوى العملاني، التي كانت خطيرة بحد ذاتها، وتجاهل ضرورة فحص أسس التفكير العسكري التي تبلورت في السنوات الأخيرة والتي على أساسها دخل الجيش الإسرائيلي في حرب لبنان».
وفي ما يتعلق بالمخاطر التي تحدق بإسرائيل، يشير بدهتسور إلى «أن المشكلة الرئيسية تكمن في أن الجيش يواجه قوساً واسعة من التهديدات، بحيث يقف على طرفها الأول التهديد الاستراتيجي الإيراني، وعلى طرفها الثاني، منظمات إرهابية، وأن الجيش بنى قوته في السنين الأخيرة انطلاقاً من التشديد على الاستعداد للتهديدات الاستراتيجية وإهمال الاستعداد للتهديدات الأُخرى».
وبعد عرض المشكلة، ينتقل بدهتسور ليطرح جملة من الاقتراحات، فيرى أن المطلوب الآن هو تغيير ميزان تخصيص الموارد بيد القوة الجوية والقوة البرية؛ ويطرح ضرورة إعادة تنظيم القوة البرية مع التشديد على زيادة عديد الوحدات الخاصة ونوعيتها وحجمها. ويشير بدهتسور أيضاً إلى أن الحرب في لبنان شكلت دليلاً إضافياً على «انتهاء عهد معارك الدبابات. وهذا لا يعني التنازل عن القوة المدرعة، بل تقليص عدد الدبابات بشكل ملموس».
وبالنسبة إلى التهديد الإيراني يؤكد بدهتسور على ضرورة التركيز على تطوير القدرات الاستراتيجية لسلاح البحر، عبر شراء غواصات «الدولفين»، التي من شأنها منح إسرائيل قدرة على توجيه الضربة الثانية القوية، والتي ستشكل في الواقع الرد الوحيد المناسب في حال حصول إيران على سلاح نووي.
وفي مقابل الدعوات إلى ضرورة إعادة النظر في النظرية القتالية العسكرية وأولوياتها، يطرح البعض ضرورة الاستعداد لمواجهة الخطر الإيراني من خلال صوغ إسرائيل لأحلاف جديدة، استعداداً لأي متغيرات محتملة. وفي هذا السياق، يرى دافيد ليبكن، في «معاريف»، أن «حرب لبنان شكلت تذكيراً قاسياً بأن الشرق الأوسط يتعرض لهزة قوية من جهة اللاعبين الذين يصارع بعضهم بعضاً للسيطرة على المنطقة».
ويشير ليبكن إلى أن «الحديث في الأساس عن إيران، التي تتقدم بمطمحها لأن تصبح القوة الرائدة في المنطقة، مع نية غير مخفية للسيطرة على جاراتها، وبخاصة في الخليج العربي». وبحسب ليبكن فإن «هذا الواقع الجديد يوجب على القيادة السياسية في إسرائيل أن تعمل سريعاً وأن تغير شكل عملها في موضوع سياسة الأمن والخارجية».
لهذه الغاية، يرى ليبكن أن «ثمة حاجة لغطاء عسكري، يضمن قدرة دفاعية حيال مطامح إيران بإزالتنا. علينا أن نبدأ حملة سياسية حثيثة، في أوروبا وفي الولايات المتحدة، للانضمام إلى حلف شمال الاطلسي».
وبما أن الأطلسي، وهو من اللبنات الأساسية للنظام الدفاعي للغرب، يعتقد ليبكن أن الانضمام إلى الحلف سيساعد إسرائيل على تحمل عبء النفقات الأمنية، وسيمنحها استقراراً اقتصادياً ويساعدها على زيادة الاستثمارات الخارجية، باعتبار أن المستثمرين سيعرفون أن اسرائيل لم تعد دولة معرضة لأخطار وجودية.
لكن الأمر الأكثر دلالة في اقتراح ليبكن، هو إشارته إلى طبيعة العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة، واحتمال تعرضها لبعض التغييرات أيضاً، وضرورة الاستعداد لاحتمال كهذا. ويشير ليبكن إلى اعتماد إسرائيل اليوم على صداقة الولايات المتحدة ودعمها، وعدِّ هذا الأمر الذخر السياسي الأهم لإسرائيل، لكن «من سيضمن أن نحظى في السنين المقبلة أيضاً برئيس صديق في البيت الابيض؟ فالولايات المتحدة تشهد تغييرات مهمة، حيث يزداد حجم ووزن السكان الذين يتحفظون على التأييد الجارف لإسرائيل، وكذلك حجم السكان الإسبان والمسلمين، الذين لا يعرف عنهم تأييدهم لإسرائيل».