أثار عجز الجيش الإسرائيلي عن القضاء على صواريخ المقاومة إبان العدوان، وخاصة القصيرة المدى منها، تساؤلات كثيرة عن الفشل الاستخباري المتعلق بالإحاطة بقدرات المقاومة بهذا الخصوص، ولا سيما لجهة آليات الإطلاق التي أعيت سلاح الجو عن إيقافها، رغم كثافة عملياته التي وصلت إلى حدها الأقصى الممكن.وفي هذا السياق، يكشف كبير محللي الشؤون الاستراتيجية في صحيفة «هآرتس»، زئيف شيف، أن ما كان يعتقده الجيش مبرراً لعجزه عن ضرب الترسانة الصاروخية القصيرة المدى للمقاومة، اتضح أنه أمر غير صحيح، وهو ما يزيد حجم الإخفاق الاستخباري الذي كشفت عنه الحرب؛ فقد كان الجيش يعزو انعدام قدرته على تدمير الصواريخ القصيرة المدى لدى المقاومة إلى مرونة آليات إطلاقها البسيطة والمتحركة، فضلاً عن صغر حجمها كأهداف.
إلا أن ما اكتُشف لاحقاً، بحسب شيف، ينقض هذه المقولة ويكثر من علامات الاستفهام عن الجهة التي تتحمل مسؤولية الفشل على هذا الصعيد. ويكشف شيف أن جزءاً كبيراً من هذه الصواريخ أطلق من مواقع ثابتة، لا مواقع مرتجلة صعبة التشخيص، موضحاً أنه اكتشف هذا الأمر عن طريق الصدفة بعد احتراق حرش شجري استهدفه سلاح الجو، حيث بانت، بعد خمود الحريق، منصة كاتيوشا مثبتة في المكان.
ومع تكرر حصول هذا الأمر، اتضح أن الطريقة التي عمل بها المقاومون تركزت على بناء منصات ثابتة في قلب الطبيعة، وفي الغالب داخل حقول مليئة بالشتول، بالاتفاق مع أصحابها. ويبلغ حجم موقع المنصة نحو ستة أمتار مربعة، وهو عبارة عن حجرة تحت الأرض مموهة جيداً، تقع في داخلها المنصة التي ترتفع بشكل هيدروليكي، أو يدوي، لتطلق الصواريخ، وهي من عيار 122 ميلليمتراً، وتعود إلى مكانها بعد ذلك من دون أن تترك أثراً.
أما عن مخزن الصواريخ، فقد كان، بحسب شيف، في الجوار، داخل بيت أو مخزن تحت الأرض، وكان الفلاح الذي يملك الحقل يتلقى تعليمات عن كمية الصواريخ التي يجب أن يطلقها وفي أي اتجاه، عبر هاتف خلوي. وحتى لا يُعثر على مكان الإطلاق عبر آليات المسح الحراري التي كان يستخدمها الجيش الإسرائيلي، كانت المقاومة تزود الفلاح، بحسب شيف، بـ«بطانية حرارية» ليغطي موقع الإطلاق بهدف عزل الحرارة المنبعثة منه.
وإذ يفترض أن نتائج المواجهة كانت ستبدو مختلفة لو كان سلاح الجو الإسرائيلي يعرف مسبقاً بتفاصيل منظومة الصواريخ القصيرة المدى لدى المقاومة ومواقعها الثابتة، يثير شيف تساؤلات عمّا يعنيه ذلك في مقياس الفشل: «فإذا كانت الاستخبارات التكتيكية في قيادة المنطقة الشمالية لم تعرف بوجود مئات المواقع الثابتة للصواريخ القصيرة المدى في جنوب لبنان، فإن هذا يعد إخفاقاً استخبارياً كبيراً؛ وإذا كانت قيادة المنطقة الشمالية تعرف بذلك ولم تنقل معلومات تفصيلية لقيادة سلاح الجو، فإن هذا يعد إخفاقاً أشد خطورة في إدارة الحرب»، علماً أن شبكة مواقع هذه الصواريخ «أقيمت في معظمها في المنطقة التي يتركز فيها نشاط قيادة المنطقة الشمالية واستخباراتها».