strong>النقاش الإسرائيلي للنتائج التي تمخّض عنها العدوان الإسرائيلي على لبنان لا يزال مستمراً، ولا سيما في ما يتعلق بتحديد هوية المنتصر وهوية المهزوم.مهدي السيد

لم يكتف العديد من المحللين الإسرائيليين برفض مقولة الجيش الإسرائيلي «تحقيق النصر بالنقاط» على حزب الله، بل ذهب بعضهم إلى السخرية والهزء من نصر كهذا،
طارحين جملة من الأسئلة والملاحظات بشأن علامات هذا النصر وتجلياته، الذي يبدو أنه انعكاس لاستراتيجية إسرائيلية منذ حرب يوم الغفران مبنية على أساس تعمية الحقائق والخداع الذاتي.
وتوقف البروفيسور زئيف معوز، المحاضر في العلوم السياسية في جامعتي تل أبيب وكالفورنيا، عند «سيل وموجة التصريحات والمقالات التي تبرز في الآونة الأخيرة لتعلن الانتصار في الحرب الحمقاء وغير المجدية في لبنان»، معتبراً أن هذه التصريحات تهدف إلى «تشويه الحقائق وتعميتها، وهو ما تفعله المؤسسة الأمنية الإسرائيلية ومبعوثوها في وسائل الإعلام».
وحذّر معوز، في «يديعوت أحرونوت»، من مغبة «القبول بهذه البضاعة الفاسدة، لا لأنها كاذبة من أساسها فحسب، بل لأنها تنضم أساساً إلى سلسلة تعمية الحقائق والتضليل التي بدأت من حرب لبنان الأولى واستمرت حتى يومنا هذا». وأضاف أنه «إذا لم نقطع سلسلة الإنكار والخداع الذاتي، فستنتظرنا كارثة أكبر بكثير في المستقبل».
وتوقف معوز عند «الحقيقة المرة التي تشير إلى أن الجيش الإسرائيلي لم ينجح منذ حرب يوم الغفران في تحقيق نصر عسكري في أي من المواجهات» رغم المفارقة المتمثلة في أن «في كل واحدة من المواجهات الرئيسية، كان ثمة فجوة هائلة لمصلحة إسرائيل بكل الأبعاد الرئيسية لموازين القوى ــ النوعية والكمية».
وتطرّق معوز إلى مجريات الحرب الأخيرة، مشيراً إلى أن «سقوط الصواريخ لم يتوقف، خلال 33 يوماً من القتال، عن شمال البلاد، ولم تتضرر قدرة القتال والروح القتالية لدى حزب الله، وبحسب كل الدلائل، فإن قدرته على إعادة بناء نفسه ستُتيح له العودة إلى قوته السابقة في غضون أشهر». وتساءل معوز: «إذا كان هذا الواقع لا يُعدّ فشلاً، فما هو الفشل إذاً؟».
وتطرق يسرائيل هرئل أيضاً، في «هآرتس»، إلى ادعاءات النصر من القادة الإسرائيليين، فسخر منها بعد مقارنتها بالأهداف التي تحددت عند بدء العدوان. وقال هرئل، إن الحكومة شنّت الحرب وفق هدف محدد هو إعادة الجنديين الأسيرين. ويضيف أن «هذه الحكومة تدّعي أنها انتصرت في الحرب، ولو بالنقاط بحسب مقولة رئيس الأركان» الجنرال دان حالوتس. لكنه يغمز في المقابل من قناة الحكومة والجيش، ليسأل هل إن «عدم إعادة الجنود إلى بيوتهم، واستمرار قدرة حزب الله على اطلاق 250 صاروخاً حتى اليوم الأخير من الحرب التي تقولون إن نصر الله هُزم فيها، هل هذه أيضاً من دلائل الانتصار وعلاماته؟».
ويواصل هرئل محاولة عرض فهمه لتفسير النصر، فيسأل كيف تنتصر من دون أن تتمكن «القوى العظمى الإقليمية، كما ترى إسرائيل نفسها، التي تحارب منظمة غوارية صغيرة، من أن تشترط وقف النار بالإفراج عن الجنود الأسرى، أو بنقلهم على الأقل إلى يد جهة ثالثة يمكنها ضمان سلامتهم؟». ويتابع هرئل ساخراً، فيقول إن «النصر كان كبيراً إلى درجة أننا أصررنا على انتشار قوة دولية من 15 ألف جندي للفصل بيننا وبين عدو أزلناه من أمامنا».
وينتقل هرئل بهزئه من مقولة انتصار إسرائيل، من ميدان القتال إلى ميدان الحرب النفسية، فيشير ساخراً، إلى أن «حزب الله الذي هُزم في ساحة القتال، يواصل خسارته في الحرب النفسية أيضاً» والدليل على ذلك هو فيلم «المقايضة الكبرى». وأضاف أن «حزب الله لم يقرر فقط متى وماذا يُبث، بل أيضاً من هي الجهة التي تبث وبأي ثمن تُبث دعايته» في إشارة إلى بث القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي للفيلم بعد شرائه وبعد منافسة على ذلك مع القناة الثانية. ويتابع هرئل: إن «الذين فازوا بحق البث، يعرضون بحماقتهم الدعاية التي تبجّل حزب الله». وبحسب هرئل، من المؤكد أن «نصر الله يقول لنفسه، إنه في هذه الحرب ثبُت مجدّداً أن اليهود لم يفقدوا فقط القدرة العملانية وحافزية السعي إلى الاحتكاك، بل فقدوا أيضاً العقل والفطنة، وهو ما يتفق معه عليه عدد غير قليل من الإسرائيليين»