محمد بدير
أقرت إسرائيل أمس بأنها ألقت أكثر من 1.2 مليون قنبلة عنقودية على لبنان خلال العدوان الأخير، في عملية وصفها أحد ضباطها بأنها «وحشية» فيما شبّهها آخر بما كانت تقوم به القوات النازية في الحرب العالمية الثانية.
ونقلت صحيفة «هآرتس» أمس عن ضابط في وحدة صواريخ تابعة للجيش الإسرائيلي قوله إن «الجيش أطلق على لبنان 1800 صاروخ عنقودي تحمل أكثر من 1.2 مليون قنبلة عنقودية، إضافة إلى استخدام قذائف مدفعية عنقودية أخرى، ما يرفع عدد القنابل المستخدمة إلى أكثر من ذلك بكثير»، مشيراً إلى أن «ما فعلناه في لبنان هو عمل جنوني ووحشي، غمرنا قرى بأكملها بالقنابل العنقودية».
وأضاف الضابط أن «جنود المدفعية في الجيش الإسرائيلي لاحظوا كثرة استخدام الجيش للقذائف الفوسفورية، المحرمة دولياً، كما يرى الكثير من الخبراء في القانون الدولي»، مشيراً إلى انه «جرى إطلاق غالبية هذه القذائف في الأيام العشرة الأخيرة من الحرب».
وقال الضابط نفسه للصحيفة انه «على رغم العلم المسبق بعدم دقة اصابة هذه القذائف، وبانحرافها عن هدفها بهامش خطأ يصل إلى 1200 متر، إلا أن جزءاً مهماً منها لا ينفجر ويتحول إلى ألغام»، مقرّاً بأن «غالبية الخبراء يرون حرمة استخدام قذائف كهذه لكونها سلاحاً أعمى». وذكّرت الصحيفة بأن «إصابة مباشرة لقنابل فوسفورية تحدث حروقاً شديدة وتتسبب بالموت بعد عذابات أليمة».
وأضاف الضابط أنه «جرى إعطاء الأوامر بإغراق المنطقة بالقنابل العنقودية للتعويض من عدم دقتها، فليس لدينا امكانية لاصابة هدف محدد بواسطتها، والقادة يعلمون ذلك جيداً».
ويعطي الضابط مثالاً عما كان يجري مع وحدته، فيقول انه «طُلب منا إطلاق صواريخ عنقودية في ساعات الصباح في اتجاه أطراف إحدى القرى (في جنوب لبنان)، والهدف كان أن يرتدع الناس عن مغادرة المساجد في هذا الوقت والبقاء فيها».
وشدد الضابط الذي خدم خلال الحرب ضابطاً احتياطياً، على انه «أرسل بعد تسرحه من الجيش رسالة إلى وزير الدفاع عمير بيرتس حذره فيها من خطر هذه القنابل ومن انها ستنفجر عاجلاً أو آجلاً بالناس»، وأضاف أنه «لم يتسلّم إلى الآن أي رد من وزير الدفاع».
ونقلت الصحيفة عن قائد في سلاح المدفعية قوله انه جرى «إطلاق قذائف فوسفورية على لبنان بهدف إحداث حرائق» وان القائد كان يشاهد «الشاحنات التي تحمل القنابل الفوسفورية الى بطاريات المدفعية التي كانت موجودة في الشمال».
وتورد الصحيفة ان «القانون الدولي يمنع استخدام سلاح يتسبب بإصابات ومعاناة غير ضرورية للناس، وان الكثير من الخبراء (في القانون الدولي) يعتبرون معايير القانون منطبقة على القذائف الفوسفورية».
لكن الصحيفة نفسها تنقل عن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي قوله، في إطار الرد على هذه الأقوال، «ان القانون الدولي لا ينص على منع كلّي لاستخدام القنابل العنقودية، وان اتفاقية السلاح التقليدية لا تنص على منع استخدام سلاح حارق (فوسفوري)، بل تنص على تنظيم استخدامه»، و«ان الجيش الإسرائيلي لن يُعلق أو يُفصل بشأن أسلحة موجودة في حوزته، وهو يستخدم الأسلحة المسموح بها وفقاً للقانون الدولي». أما مكتب وزير الدفاع فقال للصحيفة «انه لم ترده أي معلومات تتعلق بإطلاق صواريخ عنقودية».
وفي هذا السياق، قالت صحيفة «معاريف» عن انتقادات وجّهها العقيد الاحتياطي في سلاح الجو الإسرائيلي الدكتور شموئيل غوردون، الذي خدم في العدوان الأخير على لبنان، إن هناك «شبهاً بين سلاح الجو الإسرائيلي الذي دمر أحياء في ضاحية بيروت الجنوبية وسلاح الجو النازي الذي دمر مدينة غرنيكا في الحرب الأهلية الاسبانية في نيسان 1937 وتسبب بمقتل 1600 مدني». ووردت انتقادات غوردون، التي سمّتها الصحيفة القاتلة، خلال محاضرة ألقاها في «مركز هرتسيليا المتعدد المجالات» في إطار أعمال «مؤتمر الارهاب الخامس»، داعياً إلى «التطرق إلى الظواهر الأخلاقية للقتال الذي خاضه الجيش الإسرائيلي في لبنان».
وشدد غوردون على أنه «ليس مقبولاً أن يضرب سلاح الجو التابع لدولة إسرائيل حيّاً كاملاً في بيروت وأن يُمحى من الوجود، ليس لديّ كل المعلومات التي كانت في حوزة سلاح الجو عن قيادات حزب الله. لكن بشكل أساسي، لا أقبل تدمير حي كامل».
أضاف غوردون، الذي يُعرّف، إسرائيلياً، باحثاً في إطار الاستراتيجيا والقتال الجوي، أن «وحدات الجيش الإسرائيلي تعاني، بشكل خاص، التشكيل، فجزء كبير من الحرب كان ملقى على عاتق وحداته الخاصة».
وذكرت الصحيفة أن جواً من الاستياء عمّ القاعة إثر كلام غوردون، وأعرب رئيس المركز شبتاي شابيط، الذي شغل سابقاً منصب رئيس الموساد الإسرائيلي، عن انزعاجه من كلام على «استهداف الجيش الإسرائيلي مقرات حزب الله الذي اختار إقامة قيادييه في قلب بيروت ووسط السكان»، وذكر أن «ضيوفاً من الخارج يحضرون المؤتمر»، إلا ان الصحيفة أضافت أن «ضباط وقادة سابقين في الجيش الإسرائيلي أيّدوا»، بخلاف شابيط، «أقوال غوردون وأثنوا عليه».