حيفا ــ فراس خطيب
لم تختفِ مطالب «ترانسفير» الفلسطينيين من البرامج السياسية الإسرائيلية، بل إنّها ابتعدت شكلياً عن الحال الوجودية الآنية وأخذت نماذج مختلفة منذ سبعينيات القرن الماضي وتحوّلت من «سياسة دولة رسمية» إلى «دراسة غير معلنة» أخذت أشكالاً مختلفة، منها «البحث في خطر العرب الديموغرافي»، واعتبار فلسطينيي 48 «قنبلة موقوتة لا بد من تفكيكها».
ولا تزال الحلبة السياسية الإسرائيلية تشهد تصريحات لمسؤولين إسرائيليين تخدم هدف «الترانسفير»، يشترطون من خلالها وجود الفلسطينيين في إسرائيل بـ«ولائهم للدولة»، وهو ما يرفضه الفلسطينيون جملة وتفصيلاً. وكان آخرها تصريحات عضو الكنيست الإسرائيلي أفي إيتام من حزب «ايحود ليئومي ـــ مفدال»، الذي طالب بطرد الفلسطينيين من الضفة وطرد فلسطينيي 48 من الحياة السياسية.
ولا يزال المطالبون بتهجير الفلسطييين، والمتمثلون بحركة «موليدت»، التي أسسّها رحبعام زئيفي، الذي اغتيل على يد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، مصممين على أنّ دعوتهم إلى «الترانسفير» لم تأت من «اجتهادهم الشخصي»، بل هي دعوة قديمة طالب فيها مؤسسو إسرائيل، وهم بدورهم تبنوها. وهذا ما أكدّه زئيفي، خلال الدعاية الانتخابية لـ«موليدت».
ولعل ما أقدمت عليه بلدية حيفا، خير دليل على تغلغل فكرة الترانسفير بين الجهات السياسية الإسرائيلية في اليمين والوسط. فقد قرّر أعضاء المجلس البلدي اليهود، وبالإجماع، إطلاق اسم داعية الترانسفير الإسرائيلي رحبعام زئيفي، على أحد شوارع المدينة.
تبنت البلدية القرار بالإجماع، فيما عارضه الأعضاء العرب ورأوا أنه «عنصري»، وتساءلوا «كيف لكم أن تطلقوا اسم من طالب بتهجير العرب على شوارع يسكن فيها العرب؟!». لكنّ أحداً لم يستجب.
وفي الشق الثاني من الجلسة نفسها، أقرّ أعضاء البلدية بالإجماع إقالة نائب رئيس البلدية العربي المحامي وليد خميس من منصبه لمواقفه «الموالية للعدو» أثناء العدوان على لبنان، كما قال رئيس البلدية «اليساري» يونا ياهف.
وقال خميس لـ«الأخبار» «أفي إيتام، اليميني المتطرف، يتحدث ويونا ياهف اليساري ينفذ... كلهم في الخندق نفسه».
وزيادة على هذا، قال عضو بلدية يهودي ينتمي لحزب «كديما»، يتسحاك ريغف، في صحيفة حيفاوية، «يجب تسمية الشارع الذي يسكن فيه وليد خميس باسم رحبعام زئيفي». ناهيك عن اقتراحات لإدخال مبادئ زئيفي إلى المنهاج التعليمي الإسرائيلي، وأغلب الظن أن القرار سيمر.
ويقول الباحث في العلوم السياسية أحمد سعدي لـ«الأخبار» إن «الترانسفير كان سياسية رسمية لإسرائيل في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي».
ويوضح سعدي أن المؤسسة الإسرائيلية «استعملت أساليب ترهيبية وترغيبية على حد سواء من أجل تطبيق الفكرة»، مشيراً إلى أن «أساليب الترغيب ارتكزت على تسهيل إمكانات العمل في الخارح، أما أساليب الترهيب فكانت عبارة عن ترجمة لسياسة مبرمجة تقضي بحصر الفلسطينيين في الداخل، داخل تجمعات فقر لإجبارهم على الرحيل». ويضيف أن «هذه الأوضاع وفي ظل العولمة واعتقاد بعض الفلسطينيين منهم بأن أوروبا هي بلد الفرص أدت إلى هجرة كبيرة».
وفي بحث لـ«الأخبار»، ظهرت مواقع إلكترونية تابعة لحركات يمينيّة تعرض في مواقعها تسهيلات هجرة للفلسطينيين تحت مسمى «الترانسفير الحديث»، إذ تمنح هذه الجهات «المعني» تأشيرة دخول للدولة التي يريد ومكان عمل ومبلغاً مالياً، في مقابل أن يوقع الفلسطيني اتفاقاً يمنعه من دخول إسرائيل لعشر سنوات متتالية، بعد ذلك يستطيع العودة كسائح لفترة محددة.
في عودة إلى التاريخ القديم وقيام المؤسسة الإسرائيلية الصهيونية، نجد أنّ الدعوة للترانسفير كانت معلنة ومخططة للغاية، ومنذ عهد ثيودور هرتسل. ففي 29 تموز عام 1937، أيد أول رئيس وزراء إسرائيلي ديفيد بن غوريون «ترانسفير» الفلسطينيين إلى دول عربية مجاورة.
واشترط بن غوريون في حينه «ألّا يعاني هؤلاء شروطاً أسوأ من الدولة التي انتقلوا منها»، أي من إسرائيل. مشيراً إلى أنه «في هذه الحالة لا يمكن معارضة هذا الانتقال وهذا لن يضر حقوق العرب ولا مكانتهم».
في هذه الأثناء، لا يتجلى النقاش بشكله الصارخ أو الفاضح في إسرائيل، لكنّ التأييد للمطالبين بـ«الترانسفير» يزداد يوماً بعد يوم، فهناك، على سبيل المثال، تصاعد في شعبية أفيغدور ليبرمان المطالب بضم مناطق المثلث الفلسطيني إلى الأردن والضفة الغربية، مشترطاً «ولاء من بقي من العرب لسياسة الحكومة»، إضافة إلى وجود معاهد إسرائيلية كبرى تبحث «قضية الخطر الديموغرافي للعرب».