عوزي بنزيمان ــ هآرتس
في البلاد التي «لم يحدث فيها شيء من هذا القبيل» (عنوان أغنية إسرائيلية)، ضغط رئيس الوزراء على مفتاح تشغيل الحرب التي دامت شهراً كاملاً من دون أن يستخلص العبر المترتبة على اخفاقاته. في هذه البلاد، يدّعي القادة أن انجازات الحرب ستتضح في المستقبل ويطالبون الجمهور بأن يحكم على أدائهم وفقاً لهذه التنبؤات، وليس بناء على النتائج الراهنة.
في البلاد التي «لم يحدث فيها شيء من هذا القبيل»، يدّعي نائب رئيس الوزراء أنه لا جدوى من النبش في حرب انتهت للتو، وانما يجب تركيز الموارد والاهتمام على استعدادية الدولة للمستقبل المقبل. في هذه البلاد، يدعي نائب رئيس الوزراء أن من الواجب تطوير وسائل قتالية تعتمد على التكنولوجيا الراقية حتى يصبح من الممكن الدفاع عن الدولة بواسطة الرجال الآليين، على الرغم من أن الحرب التي انقضت برهنت بالتحديد على استعداد سلاح البر للتصادم المباشر مع العدو.
في البلاد التي «لم يحدث فيها شيء من هذا القبيل»، يدعي القادة أن الحرب انتهت بانتصار سياسي لم يكن له مثيل من قبل، ويحثون الجمهور، على رغم ذلك، على الاستعداد للمجابهة العسكرية المقبلة التي تلوح في الأفق. في بلادنا هذه، تقول وزيرة الخارجية إنه كان واضحاً منذ اللحظة الاولى لاندلاع الحرب، أن إعادة المخطوفين بالقوة هي مسألة غير واردة، ومع ذلك قررت حكومتها شن عمليتها العسكرية تحت شعار إطلاق الأسرى.
في البلاد التي «لم يحدث فيها شيء من هذا القبيل»، تُبدي الحكومة استعدادها للتفاوض على صفقة تبادل للأسرى بعد الحرب التي كانت قد شنتها من اجل عدم القيام بذلك (أي التبادل). في هذه البلاد، يعتبرون استعداد سوريا لنشر جيشها على الحدود مع لبنان لمنع تدفق السلاح (السوري) لحزب الله إنجازاً من انجازات الحرب.
في البلاد التي «لم يحدث فيها شيء من هذا القبيل»، زفت البشائر للشعب أن سلاح الجو قد حقق انجازاً كبيراً من خلال تدميره لصواريخ حزب الله البعيدة المدى منذ نصف الساعة الاولى للحرب، ومع ذلك قررت الحكومة ورئيس هيئة الاركان مواصلتها لمدة 33 يوماً.
في هذه البلاد، يضع وزير الدفاع السابق (الذي كان رئيساً لهيئة الاركان أيضاً) نفسه وكأنه المستشار الرئيس لأولمرت في جزء لا بأس به من المعركة في لبنان ويدعي بعد انتهائها أن رئيس الوزراء هو المسؤول الأساسي عن إخفاقاتها.
في البلاد التي «لم يحدث فيها شيء من هذا القبيل»، يأخذ رئيس الوزراء على عاتقه المسؤولية العليا عن نتائج الحرب، وفي الوقت نفسه يقوم مقربون منه بإلقاء اللائمة عن الاخفاقات على رؤساء الوزراء ووزراء الدفاع السابقين، وكذلك على وزير الدفاع الذي قام هو بتعيينه في هذا المنصب.
في بلادنا هذه، يصرح وزير الدفاع أنه لا يتحمل المسؤولية عن الادارة الفاشلة للحرب، ويلقيها على من سبقه في وزارة الدفاع وقيادة الجيش. في بلادنا العجيبة هذه، يقول وزير الدفاع إن أداءه (البائس) في الحرب يجعله أكثر نضجاً واستعدادية لقيادة جهاز الدفاع في مواجهة التحديات المقبلة.
في البلاد التي «لم يحدث فيها شيء من هذا القبيل»، تتلوى قيادة الدولة طوال شهر في محاولات الإقدام على التحقيق في الحرب، كاشفة بذلك عن التردد الاصطفافي الذي ميز أداءها خلال الحرب وتطلب من الجمهور أن يعتمد عليها. في بلادنا هذه، يُعيّنون لجنة تحقيق يُنظر إليها منذ البداية التفافاً وتهرباً من قبل أولمرت للتملص من التحقيق غير المُغرض. في بلادنا هذه، يتخلى رئيس وزرائنا بتصريحاته البلهاء عن خطته السياسية الأساسية ويشطبها عن جدول الاعمال على رغم قوله قبل خمسة أشهر إنها مبرر وجود حكومته.
في البلاد التي «لم يحدث فيها شيء من هذا القبيل»، ينتزع رئيس الوزراء من أكمامه الاستعداد للقاء محمود عباس بعد أشهر رفض فيها القيام بذلك بذرائع لم تختفِ في واقع الأمر.
في هذه البلاد، ترد الحكومة باستهزاء واستخفاف على التطورات الملموسة التي طرأت على القيادة الفلسطينية وتستخرج من مخازنها تعليلات للحفاظ على الوضع الراهن على رغم أنها قد أُلّفت من أجل تغيير هذا الوضع القائم من جذوره.