strong>لم تترك «السنة العبرية» الإسرائيلية المنتهية مذاقاً حلواً لدى الإسرائيليين. ونهايتها لا تعني بالضرورة نهاية «أحداثها المأساوية»حيفا ــ فراس خطيب

مثّلت حرب لبنان الثانية الحدث الأكبر خلال «السنة العبرية»، يليها تأسيس كديما وغياب رئيس الوزراء السابق أرييل شارون عن الساحة السياسية، ومن ثم فوز «حماس» في الانتخابات الفلسطينية وأسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، في قطاع غزة.
ففي 12 تموز الماضي أسر حزب الله جنديين إسرائيليين وقتل ثمانية آخرين، في عملية أعلنت الحكومة الاسرائيلية على أثرها حرباً شاملة، اسمها «حرب لبنان الثانية». كان الإسرائيليون متأكدين أنَّ «نصراً إسرائيلياً جديداً» سيحدث. قال وزير الدفاع عمير بيرتس حينها «نصر الله لن ينسى من هو بيرتس». وقائد الأركان دان حالوتس قال «انتصرنا»، في مكالمة ليلية مع رئيس الوزراء ايهود اولمرت بعد يومين من القتال.
الصحافة تجنّدت قاطبة. المعلقون الإسرائيليون لم يتركوا مساحةً للنقاش. كانوا يتحدثون عن «نصر» أو عن «نصر جارف». «اسرائيل ستقضي على حزب الله وأمينه العام السيد حسن نصر الله يذكّر بصدام في أيامه الأخيرة»، هذا ما قالته القناة الثانية بعد الخطاب الأول لنصر الله.
لكنّ الأيام مرَّت، يوماً بعد يوم، وعناوين الصحف صارت أخف وطأة، مع تصاعد حدة الصواريخ الآتية من لبنان. مقالات الرأي تباينت، بين «مؤيد للحرب ومعارض لها». دبابات «ميركافا» دخلت الجنوب، وجزء منها لم يعد. بنت جبيل ومارون الراس دخلتا القاموس الاسرائيلي عنوةً. صوَر الجنود القتلى احتلت مكان صور السياسيين على صفحات الصحف الأولى. المعلقون العسكريون يفتحون أفواههم: «اخفاقات عسكرية، لا انجازات حتى الآن، بدايات لحرب جنرالات».
صواريخ المقاومة لا تسقط في الشمال فقط، الصواريخ تسقط على ثالث أكبر مدينة في إسرائيل، حيفا، وتمتد إلى «ما بعدها». الحرب تمتد، وتقترب من يومها الثالث والثلاثين.
انتهت الحرب نهاية مأساوية بالنسبة إلى إسرائيل. انتهت الحرب «الأطول» منذ النكبة. لا أحد يتحدث عن «انتصار». المتفائل يتحدث عن «انتصار في النقاط»، والمعلقون يرددون: «الحرب انتصار أو فشل». غير أن واحداً فقط يقول: «انتصرنا»، إنه رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، الذي اتخذ قرار الحرب. لكنَّ «مزاج الهزيمة» يتغلب على أصواته المتعالية، واستطلاعات الرأي منحته سبعة في المئة تأييداً. نسبة لن تنتصر بالتأكيد.
شارون خرج ولم يعد
في 11 تشرين الثاني عام 2005، فاز عمير بيرتس برئاسة حزب العمل على خصمه شمعون بيريز. كان فوز بيرتس مفاجئاً لاسرائيل وخسارة بيريز مألوفة. النقاشات احتدت: «اليهودي الشرقي يفوز برئاسة أكثر الأحزاب غربية».
وعد بيرتس بالخروج من حكومة شارون وبناء «العمل» من جديد. أما بيريز فكان يحتجب عن وسائل الإعلام. كانت خسارته اثباتاً بأنه «خاسر أزلي»، حتى أمام «الشرقي الآتي من الهستدروت».
في 21 تشرين الثاني عام 2005، انشقّ أرييل شارون عن «الليكود» وبنى «أفقاً اسرائيلياً جديداً» اسمه «كديما» (إلى الأمام). قال شارون «أنا صنعت الليكود وأنا سأفككه». استطلاعات الرأي منحته 33 مقعداً، ثم 36 مقعداً. والنجوم بدأت تتوالى إلى «البيت الجديد»: بيريز وحاييم رامون وإسحق هنغبي وشاؤول موفاز. الصحف تناست «شارون الفاسد» بسبب قضية «الجزيرة اليونانية». كان واضحاً بالنسبة لهم أنه «العنقود الاخير» من «مؤسسي اسرائيل». دعموا شارون، صاحب «فك الارتباط وسياسة الإملاءات والمصمم الجديد للعلاقات الاميركية ــ الإسرائيلية»، وتناسوا «وزير الدفاع الذي دخل لبنان عام 1982 وعاد اليهم بجثث جنوده». دعموا «البلدوزر» ولم يدعموا خصمه، «عارض الأزياء» بنيامين نتنياهو، كما وصفه شارون.
في نهاية كانون الاول 2005، دخل شارون إلى المستشفى، وخرج بعد يومين. كتبت «يديعوت احرونوت»: «شارون يتمتع بصحة رائعة»، واخترعت قصة تقول «إن شارون وبّخ ليفني وأولمرت». وكشفت القناة الثانية أن «قصة التوبيخ» اوجدها الناطقون باسم شارون بالاتفاق مع «يديعوت»، لإظهار أن شارون «ما زال يتمتع بالسلطة ويوبخ».
في الخامس من كانون الثاني 2006، دخل شارون المستشفى ثانية لكنه لم يخرج منه. انفجار في المخ. كان أولمرت الرابح الاكبر رغم أنَّه كان مهمشاً من المقربين من شارون ولم يكن واحداً من «المنتدى المقرب». عندما تشاور شارون المقربين منه بشأن الخروج من «الليكود»، علم اولمرت في اليوم الثاني حين دعاه شارون بعد اتحاذه القرار. لكنه أصبح الرجل الأول بعد شارون لأنه تقرّب إلى شارون اكثر مع تأسيس «كديما».
حماس وشاليط
في 27 كانون الثاني 2006، صعود «حماس» إلى السلطة الفلسطينية كان حدثاً كبيراً بالنسبة لإسرائيل. قررت الحكومة بإدارة اولمرت: «لن نفاوض حماس».
في 28 آذار 2006، الانتخابات الاسرائيلية تنتج فوز «كديما» بـ 29 مقعداً و«العمل» بـ 19. اولمرت رئيساً للوزراء. حزب «المتقاعدون» يحصل على سبعة مقاعد. و«الليكود» يتراجع من 42 إلى 11 مقعداً.
في 26 حزيران 2006، عملية «كرم ابو سالم» وأسر جلعاد شاليط. والحكومة الإسرائيلية تقرّر اجتياح غزة. ومع ذلك الاجتياح تبدأ انتقادات خطة «التجميع»، برنامج اولمرت الانتخابي، الذي ينص على «انسحاب احادي من الضفة وتجميع المستوطنات الاسرائيلية وضمها الى إسرائيل. النقاش يضرب «التجميع» ويجعلها مهمشة.
اختطاف شاليط يتعدى الاختطاف ويتحول إلى قضية سؤال عن «استراتيجية دولة». والده قال «لا تبنوا سياسة التحذير الاسرائيلية على ظهر ابني... أعيدوه لي».


فساد واغتصاب
بين الأحداث السياسية كلها، كان العام العبري الماضي حافلاً بالفضائح الأخلاقية، بينها تورط الرئيس الإسرائيلي موشيه كتساف بسبع قضايا اغتصاب وتحرشات جنسية. وقُدمت لائحة اتهام ضد وزير العدل حاييم رامون بتهمة «تحرش جنسي بمجندة» وسجن ابن شارون، عمري، بتهمة «الفساد المالي». المحكمة تحكم على عمري شارون بسجن فعلي تسعة أشهر نتيجة «تزوير مستندات انتخابية». والمحققون في الشرطة الاسرائيلية يطرقون باب «بيت الرئاسة» مواكبةً مع حرب لبنان، ويحققون مع كتساف في تهم اغتصابه مديرة مكتبه.