يوئيل ماركوس ــ هآرتس
ليس مهماً اذا كان حسن نصر الله قد تلقى ضربة عسكرية، فهو يخرج في نظر أتباعه وأبناء شعبه منتصراً من هذه المواجهة. وليس مهماً اذا كانت اسرائيل قد افترست أوراق حزب الله وخرجت بإنجاز سياسي متجسداً بالقوة الدولية في جنوب لبنان، فالمعركة ترسخت في عقولنا فشلاً لإيهود أولمرت.
الفرق بين الاثنين هو أن نصر الله يمثل نصف الشعب اللبناني والشيعة كلهم، ويعتبر حليفاً متقدماً لإيران، وبإمكانه اعتبار المعركة انتصاراً إلهياً. ثلثا لبنان قد دُمّر، ومعه غالبية البنى التحتية والقواعد والقيادات والمخازن والمصارف والشركات المالية. جزء ملموس من قيادات حزب الله قد دُمّر ومليون شخص قد نزحوا من بيوتهم وربع مليون هربوا الى الخارج. في ظل هذه المعطيات، هناك حاجة إلى درجة كبيرة من الغطرسة من قبل نصر الله حتى يظهر في تظاهرة حاشدة تضم مئات الآلاف بطلاً ومخلّصاً، وهو يواصل التهديد ويقول ان لديه 20 ألف صاروخ وأنه لا توجد قوة في العالم قادرة على نزع سلاحهلا يستمد أولمرت قوته من الله وإنما من مينا تسيمح (خبيرة استطلاعات الرأي)، ومعطياتها الأخيرة تشير الى أنه صاحب أقل شعبية من بين رؤساء وزراء اسرائيل عبر كل الأزمنة (7 في المئة). ليس صدفة أن أولمرت، مثل نصر الله، اضطر إلى التوضيح لأبناء شعبه وتبرير تسبّبه بالكارثة لهم، فاستغل رأس السنة العبرية حتى يصد هجمات منتقديه من خلال سبع مقابلات صحافية.
الصحافيون في بلادنا ليسوا عبدة أوثان، ولم يطرحوا أسئلة صعبة عن الحرب والقتلى الذين لا داعي لهم والاحتياط الذين يشعرون بالمرارة فحسب، إنما سألوا أيضاً كيف لم نعرف أن حزب الله قادر على إطلاق مئتي صاروخ يومياً على التجمّعات السكانية الداخلية. وسُئل أولمرت عن عقاراته وشققه وتعييناته السياسية وغيرها من القضايا التي تنبعث منها رائحة الفساد. تذمّر أولمرت، الذي يجيد الكلام، واشتكى من الصحافيين الأشرار، وأكثر ما أغاظه كان سؤال حاييم يافين المباشر: سيدي رئيس الوزراء، هل أنت فاسد؟.
ناحوم برنياع، أحد الصحافيين الذين أجروا مقابلات مع أولمرت، وصفه بأنه فصيح إلى درجة مدهشة جداً. «كلما ازدادت فصاحته أصبح أقل فاعلية». وبالفعل، كان من الصعب عليه ابتلاع غضب الجمهور والانتقادات الموجهة إليه والفوضى التي دبّت في الجيش، تلك الانتقادات التي اضطرته الى تأليف لجنة تحقيق رسمية قد تحدد مصيره في ما بعد. وقد شرع في إعداد الملفات والأشرطة ويوجّه الاتهامات إلى شاوول موفاز وموشيه يعلون الذي وصف الحرب بأنها صرعة إعلامية. باختصار، أمامنا كل المؤشرات التي تدل على شخص قد تضررت مسيرته السياسية بصورة صعبة جداً.
يقول أولمرت لمن أجروا المقابلات معه انه ليس من وظيفته أن يكون حاضنة للجيش. هذه مقولة مثيرة للاستغراب في ظل حقيقة أنه هو صاحب القرار في الخروج الى الحرب. فإما ألا يكون قد سأل الأسئلة الصحيحة، أو أن يكون قد سألها لكنه تعرض للتضليل. في كل الأحوال، لو كان على قناعة بأن الجيش قد فشل، لكان عليه بادئ ذي بدء أن يُقيل دان حلوتس الذي قاد الجيش وابتدع الاستراتيجيا.
وعد أولمرت في أحد خطاباته السياسية بشرق أوسط مختلف وقصد بذلك تصميم حدود جديدة في خطة الانطواء، إلا أن تفويت الحسم العسكري قد يؤدي الى شرق أوسط جديد لم يقصده: خطر سيطرة الشيعة على الحكم في لبنان، فتصبح إيران على حدودنا تماماً.
مع مثل هذه المخاطر في الأجواء، كان ردّه غريباً على السؤال: «أما زلت تعتقد بأننا سنكون بعد أربع سنوات دولة يطيب العيش فيها؟». أجاب «نحن من الآن دولة يطيب العيش فيها». إلا أن جوابه الغريب جاء عن سؤال «هآرتس» عن جدول أعماله؟ «ليس من الواجب أن يكون لرئيس الوزراء جدول أعمال، ومهمته هي إدارة الدولة». ليست هناك حاجة الى جدول أعمال؟ وماذا حدث مع جدول أعمال الانطواء الذي فاز في الانتخابات على أساسه؟ أي حق في البقاء يبقى لكديما من دون مواصلة طريق أرييل شارون، ومن دون مواصلة نهج أرييل شارون؟ في هذا السباق من المقابلات والخطابات، يبرز نصر الله قائداً وحيداً مع جدول أعمال في حارتنا. هذه ليست بشارة جيدة للسنة المقبلة.