مهدي السيد
خرج العدوان الإسرائيلي على لبنان عن كونه عدواناً تقليدياً على شاكلة الاعتداءات التي شنّتها إسرائيل على اللبنانيين والفلسطينيين طوال العقود الماضية، والتي كانت بمعظمها تندرج ضمن إطار الانتقام والعقاب وتصفية الحساب.
فالعدوان الراهن، إلى جانب تضمّنه هذه العناصر، حظي بصبغة أخرى عندما أجمعت الأوساط الإسرائيلية كافة على أنه ذو دلالات استراتيجية، وعلى أن تداعياته لا تنحصر في ساحة المواجهة بين لبنان وإسرائيل، بل تتجاوزها لتطال الأراضي الفلسطينية المحتلة أولاً، والعالم العربي والإسلامي ثانياً.
في جردة سريعة لحساب «الإنجازات» الإسرائيلية، ثمة شبه إجماع، إسرائيلي وغير إسرائيلي، على أن العدوان لم يحقق الأهداف الرئيسية والأساسية التي حدّدتها الحكومة الإسرائيلية للجيش، وثمة إجماع أيضاً على أن صمود حزب الله وتماسك صفوفه وحسن استعداده وإدارته للمعركة، كل ذلك أسقط تلك الأهداف التي يمكن تلخيصها في عناوين أربعة رئيسة: استعادة قدرة الردع، واستعادة الجنديين الأسيرين فوراً من دون قيد أو شرط، والقضاء على حزب الله وتنفيذ القرار 1559. ويبدو جلياً، مع دخول القرار 1701 حيّز التنفيذ، أن أياً من هذه الأهداف لم يشمله القرار ولم تُنجزه إسرائيل، وأن جُلّ ما حققته الآلة الحربية الإسرائيلية تمثّل في قتل المدنيين وتدمير البنى التحتية.
بيد أن المشكلة الاستراتيجية الحقيقية بالنسبة إلى إسرائيل لا تكمن في عدم تحقيق الأهداف الاستراتيجية والتكتيكية للعدوان فحسب، بل في إلحاق مزيد من التآكل في قدرة الردع التي خرجت لترميمها، وفي سقوط عناصر ثابتة تقوم على أساسها استراتيجية الأمن القومي الإسرائيلي.
فقدرة الردع، كما يُقرّ كثير من الخبراء الإسرائيليين، السياسيين والعسكريين، لم تُرمّم، بل ازدادت تصدّعاً جراء العدوان. واهتزت الاستراتيجية الإسرائيلية للأمن القومي، التي قامت دائماً على مداميك ثلاثة هي الإنذار والحسم والردع، بمعنى أنها كانت تعتمد على معلومات مسبقة عن «العدو» تسمح بالاستعداد الجيد لمواجهته، وعلى عنصر الردع لمنعه من التفكير بأي عمل هجومي، وعلى الحسم الذي يتمثل في تقصير المدى الزمني للمعركة قدر الإمكان، ونقلها إلى أرض الخصم، وهي الاستراتيجية التي اعتمدتها إسرائيل طوال حروبها الماضية.
تُظهر مجريات العدوان الإسرائيلي ونتائجه أن عنصر الإنذار كان مفقوداً عندما عانت إسرائيل نقصاً فادحاً في المعلومات الأمنية عن قدرات حزب الله وتحركات قادته.
وعنصر الردع لم يؤد دوره بدليل المواجهات والهجمات التي شنّها الحزب على إسرائيل. أما عنصر الحسم فكان الأكثر سقوطاً، ذلك أن إسرائيل، وعلى رغم كل القوة العسكرية التي استخدمتها، لم تفشل في حسم المعركة فحسب، بل حتى في نقلها حصراً إلى أرض «العدو» وبقي العمق الإسرائيلي ساحة حرب حتى اللحظة الأخيرة، وهنا مكمن الفشل الأكبر.