مهدي السيد
يسود الحلبة الإسرائيلية انطباع مفاده أن الحياة السياسية الإسرائيلية مقبلة على مرحلة جديدة من التطورات التي يمكن أن تترك بصماتها ليس على مستقبل كبار المسؤولين في المستويين السياسي والعسكري فحسب، بل على مستقبل الخريطة الحزبية برمّتها.
فقد أظهرت مجريات العدوان على لبنان وجود عيوب كثيرة في منظومة جمع المعلومات الاستخبارية، وتقصير وإهمال كبير على صعيد تجهيز الوحدات الاحتياطية في الجيش الإسرائيلي وإعدادها، كما عانت الجبهة الداخلية أيضاً من سوء الاستعداد في كل ما يتعلق بتوفير الحلول المناسبة للسكان.
في ضوء هذا الواقع، ارتفعت الأصوات وبرزت الدعوات إلى استخلاص العبر، ما شكل موضع إجماع لدى كافة أطياف الوسط السياسي الإسرائيلي. غير أن الخلاف ظهر في الآلية التي يتعين اتباعها لاستخلاص العبر. وحول الحدود التي يجب أن تقف عندها هذه العملية خلاف على قدر كبير من الأهمية والتأثير لكونه يحدد مآل التطورات على الساحة الداخلية. بمعنى أن استخلاص العبر يحتاج إلى آليات معروفة في إسرائيل تتراوح بين تأليف لجان داخلية، تشكل عادة التفافاً على أي تحمل حقيقي للمسؤوليات، وبين تأليف لجنة تحقيق وهي ما قد تفضي نتيجتها إلى إطاحة رؤوس كبيرة.
يبدو واضحاً أن ثمة مسعى حثيثاً من قبل المستوى السياسي للتهرب من مطلب تأليف لجنة تحقيق، تجنباًًً للنتائج الوخيمة التي قد تتمخض عنها، وهو ما برز من خلال مسارعة وزير الدفاع عمير بيرتس إلى الإعلان عن تأليف لجنة داخلية لفحص كل مكامن الخلل، إعلان يحمل في طياته تحذيراً مبطناً موجهاً بشكل خاص إلى المعارضة اليمينية في الليكود، وذلك لردعها عن مغبة الذهاب بعيداً في مطلبها تأليف لجنة تحقيق، ولسد الباب أمام أي محاولة من قبلها لتوظيف فشل العدوان في تحقيق مكاسب سياسية داخلية. كما تضمن أيضا رسالة مبطنة إلى كل من وزير الدفاع السابق شاؤول موفاز، ورئيس الحكومة السابق إيهود باراك، وكلاهما خصمان سياسيان قويان لبيرتس.
ينطلق بيرتس في تحذيره من اعتبار أن فشل العدوان الحالي ضد لبنان جاء نتيجة للإخفاقات التي أشرنا إليها، وهي إخفاقات تشارك في تحمل مسؤوليتها كل الحكومات المتعاقبة منذ انسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان قبل ست سنوات، لأنها سمحت لحزب الله ببناء قوته من دون أن تحرك ساكناً، ولأنها فشلت في مواجهة خطره وتسببت في تراجع جهوزية الوحدات الاحتياطية بسبب التقليص في ميزانية الجيش، وغيرها من الأسباب التي يتحمل مسؤوليتها كبار قادة الليكود الحاليين. كما إن من شأن لجوء بيرتس إلى مناورة الشراكة في تحمل المسؤولية أن يكبح ميل الشركاء في الذهاب بعيداً في المطالبة بالتحقيق الجدي في تحمل المسؤوليات، ما من شأنه الحد من تأثير الفشل العسكري والسياسي على الواقع السياسي الداخلي. ويبقى السؤال: إلى أي حد يمكن لهذه المناورة أن تترك بصماتها على الجمهور في إسرائيل؟ وهل سيسمح الرأي العام الإسرائيلي للمستوى السياسي والعسكري بالتغطية على الفشل، بعدما منحهما كامل الدعم، ودفع ثمناً باهظاً لقاء ذلك؟