الناصرة ــ فراس خطيب
بدأت انجازات المقاومة الإسلامية في لبنان تتضح يوماً بعد يوم باعتراف الإسرائيليين أنفسهم، ولا سيما بضرب «الرؤية العسكرية الإسرائيلية»، التي اتبعت على مدى سنوات مضت، وهي سياسة «السيطرة الجوية»، حتى إن أحد الضباط اقترح استخدام «روبوت» في الجنوب، بعدما قام الأخير بتفجير حذاء أحد الصحافيين، عندما علقت فيه متفجرات أثناء تجواله قرب الحدود مع لبنانوجاء في «يديعوت أحرونوت» أن الإسرائيليين لن يتكلوا بعد اليوم على سلاح الطيران وحده. فمن ناحيتهم، ليس بالطيران وحده تحسم المعارك، كما اتكلوا وخسروا. وقال مسؤول في الجيش الاسرائيلي للصحيفة: «سيكتب الإسرائيليون عن هذه الحرب كتباً أكبر بكثير من تلك التي كتبت عن حرب الغفران عام 1973».
وكان البرهان على هذا الادعاء واضحاً منذ بداية العدوان، من خلال اتخاذ القرارات على المستويين السياسي والعسكري، التي لم ترتق إلى مرحلة يظهر فيها، انكسار ولو بسيطاً، في قدرة المقاومة اللبنانية.
في 12 تموز أبلغ السكرتير العسكري رئيس الوزراء إيهود أولمرت، عندما كان في زيارة لعائلة الجندي المخطوف في غزة جلعاد شليط، بأنَّ جنديين آخرين اختطفا من الحدود الشمالية. لم يعرف أولمرت ماذا يفعل، لكنّه صادق فوراً على دخول دبابة إسرائيلية إلى عمق الأراضي اللبنانية وراء الجنود، وقال للسكرتير العسكري: «عليهم ان ينتبهوا جيداً». لكن بعد ساعة، تبين أنَّ الحملة فشلت والدبابة التي دخلت لبنان دمرت وقتل طاقمها. غضب أولمرت إلى حد الجنون.
بعد ساعات، اتصل أولمرت بوزير الدفاع، عمير بيرتس، وقائد أركان الجيش الإسرائيلي دان حالوتس، وصادق على هجوم جوي محدد لقصف بعض «الأهداف».
في تلك الأثناء، قام أولمرت بعمله كالمعتاد والتقى بوزير الخارجية الياباني وأجرى مؤتمراً صحافياً. عرض حالوتس على أولمرت خطة عسكرية يقوم سلاح الجو بموجبها بقصف «أهداف عسكرية» في لبنان، ومطار بيروت الدولي وبعض الجسور. قدر حالوتس أنَّ «عدد القتلى اللبنانيين سيراوح بين 300 و 500» قتيل.
اجتمع المجلس الوزاري المصغر (7 وزراء) في 13 تموز من اجل المصادقة على قصف الضاحية الجنوبية، وهو الأمر الذي عارضته وزيرة الخارجية تسيبي ليفني ووزير الأمن الداخلي آفي ديختر، إلا أن نائب رئيس الوزراء شمعون بيريز تحفّظ مشترطاً تحديد سقف العملية، وقال: «أنا أعرف الجيش أكثر منهم كلهم. أنت تعرف كيف تدخل، لكنّك لا تعرف كيف ستخرج».
كانت الصفعة الكبرى للإسرائيليين في اليوم الثالث للعدوان، في 14 تموز، عندما قصفت المقاومة الإسلامية البارجة البحرية «ساعر 5». وضرب الصاروخ «عظمة سلاح البحرية الإسرائيلي»، كما قال أحد الضباط. وبحسب مصادر إسرائيلية، وجه الصاروخ إلى جسر المراقبة التابع للبارجة.
غضب أولمرت على كل الأجهزة العسكرية والاستخبارية التي لم تمنع هذه الضربة. وأكثر ما أغضبه كان نفي المتحدثة باسم الجيش الإسرائيلي خبر ضرب البارجة. وقال أولمرت لمقربيه: «مرة أخرى يخرج نصر الله صادقاً ونحن كاذبون». وقالت «يديعوت أحرونوت»: «كان عدد من القادة يريدون انهاء الحملة العسكرية فوراً، إلا أنَّ التقديرات العسكرية الإسرائيلية أقنعت أولمرت بأن وقف العملية بعد خمسة أيام من بدايتها من شأنه أن يمحو كل الإنجازات».
في المقابل، واصل سلاح الطيران قصف كل الأماكن في لبنان. واستهلك الجيش كميات هائلة من المتفجرات من دون أن يحقق انجازات. وأعلن مع نهاية الأسابيع الثلاثة الاولى أنه قصف بكمية متفجرات تساوي الكمية التي استخدمت في حرب الغفران. إلا أنَّ هذه المتفجرات لم تسعف الإسرائيليين، واستمر حزب الله بقصف المناطق الإسرائيليية من دون أن يظهر علامات انكسار.
صادق المستوى السياسي على حملة «تغيير اتجاه 8»، التي تنص على التوغل في الجنوب اللبناني، فتورط الجيش في قرى مارون الراس وبنت جبيل. وأعلن الجيش سيطرته على بنت جبيل، فدخلت قوة من الجيش الإسرائيلي في وضح النهار الى هناك حيث كانت المواجهات شديدة، قتل خلالها عدد كبير من الجنود الإسرائيليين. وانتقدت «يديعوت احرونوت» هذه الخطوة قائلة: «لم يكن الإعلام من حوَّل بنت جبيل إلى رمز المقاومة، بل الجيش الذي دخل أماكن يجهلها ليقول انه يستطيع».
وتجلى الفشل الاستخباري واضحاً عند اتخاذ قرار «الإنزال» في أحد المستشفيات في بعلبك. ظن الإسرائيليون أنَّ الجنديين المخطوفين يقبعان هناك، إلا أنَّ المكان كان عيادة طبية لا تفتح بالليل. وعاد الإسرائيليون من دون إنجاز يذكر. وهذا ما جرى في إنزال صور، عندما قال الإسرائيليون إنهم يريدون تصفية أحد مسؤولي حزب الله، إلا أنَّ «المستهدف» أطلق عليهم الرصاص وقتل ضابطاً وجرح آخر.
ومع تصاعد قصف حزب الله على شمال فلسطين المحتلة، سافر أولمرت إلى المنطقة الشمالية واستمع إلى اقتراحات القادة العسكريين. اقترح عليه قائد المنطقة الشمالية أودي آدم خطة موسعة لاجتياح الجنوب حتى الليطاني تستغرق 96 ساعة «يحتاج الجيش من خلالها إلى شهر اضافي لتنظيف المنطقة». قدر آدم أن يصل عدد القتلى الاسرائيليين إلى ما بين 300 و 500 قتيل، إلا أن وزير الدفاع السابق شاؤول موفاز اعترض على الخطة وقال إنها «مجنونة» لا يمكن تنفيذها لأن الشتاء على الأبواب.
اجتمع المستوى السياسي. أولمرت لا يستطيع اتخاذ قرار، حتى رنَّ الهاتف وكانت كوندوليزا رايس على الخط. عندما رفع أولمرت السماعة قالت له: «اتفاق رائع»، في إشارة للاتفاق الفرنسي ــ الأميركي في مجلس الأمن. بعد المكالمة، في اليوم التالي في 11 آب، وصلت الى اسرائيل مسودة قرار «سيئة لاسرائيل». غضب أولمرت واتصل بوزير الأمن وقال: «تحركوا تحركوا». فخرجت الحملة إلى حيز التنفيذ. وبعد ليلة عمل فيها الأميركيون بشكل كبير لمصلحة الاسرائيليين، صادق مجلس الأمن على قرار معدل. قبله أولمرت لأن عدد القتلى في الجانب الاسرائيلي بدأ يرتفع.
بعد وقف اطلاق النار، اجتمع أولمرت بقيادة الجيش لبحث إعادة انتشار الجيش في لبنان. بعد دخولهم سمعوا ثلاثة انفجارات، تبين أنَّ الروبوت يفجّر أحذية أحد الصحافيين من شبكة «سي بي اس»، كان قد علق عليها مواد تفجيرية عندما تجول في الشمال. كان المشهد مضحكاً، فقال أحد القادة العسكريين: «قد نبعث روبوت ضد حزب الله، سيكون ناجعاً أكثر من الجيش».