مهدي السيد
فور ولادة العدوان الإسرائيلي على لبنان، منحه أصحابه اسم «الجزاء المناسب»، ثم ما لبثوا أن استبدلوه باسم آخر هو "تغيير الاتجاه".
أراد من اختار هذين الاسمين، بالطبع، التعبير بشكل دقيق عن حقيقة الواقع الذي سينشأ على الأرض بعد العدوان. بيد أنه لم يتبادر مطلقاً إلى ذهن هؤلاء أن هذين الاسمين سيكونان كذلك لكن مع فارق "بسيط" جدا، هو أن الواقع المشار اليه بات على الطرف الجنوبي للحدود اللبنانية ــ الفلسطينية، وليس العكس.
لو بحث أي مراقب عن مصطلح لتوصيف نتيجة العدوان على الداخل الإسرائيلي لما وجد كلمات أشد تعبيرا من هاتين التسميتين، فالوقائع الآخذة في التشكّل على الحلبة الإسرائيلية في أعقاب فشل العدوان تشير بوضوح إلى أن المسؤولين عنه في كل المستويات يستعدون لدفع "الجزاء المناسب" لقاء فشلهم، وأن تداعيات الفشل على الداخل الإسرائيلي تدلّ على علامات "تغيير اتجاه" على أكثر من مستوى وصعيد.
وهكذا، نرى أن هناك نقاشاً واسعاً في إسرائيل حول ضرورة تأليف لجان تحقيق لكشف العيوب والأخطاء وتحميل المسؤولين عنها التبعات الأليمة، وإجبارهم على دفع "الجزاء المناسب" لتقصيرهم وسوء أدائهم، بحيث كان لافتاً انتقال عدوى تأليف لجان التحقيق إلى مجالات خارج الإطار العسكري والسياسي، لتشمل الإطار الاقتصادي أيضاً. ويمكن القول إن "تغيير الاتجاه" السياسي الأكثر دلالة هو ذاك المتعلق بحزب " كاديما" على مستوى البرنامج السياسي والمستوى القيادي فيه. وليس هناك مبالغة في القول إن حزب "كاديما" (أي المضي قُدُماً بالعربية) بات أقرب في الواقع إلى تسمية "أحوراه" (أي العودة إلى الخلف بالعربية)، بمعنى "تغيير الاتجاه"، وبالتالي يمكن القول إن العدوان على لبنان حقق أهدافه ولكن في الاتجاه المعاكس.
يظهر"تغيير الاتجاه" السياسي في قرار رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت، بإزاحة خطة الانطواء عن رأس جدول أعمال حكومته، واعتبار أن الأولوية الآن يجب أن تخصص لإعادة بناء الشمال في ضوء الأضرار التي لحقت به نتيجة ضربات حزب الله. وهذا يعني أن الخطة الطموحة لأولمرت بانسحاب واسع وأحادي الجانب من مناطق الضفة الغربية، لن تُطبق، على الأقل في المستقبل المنظور.
وتجدر الإشارة إلى أن موقف أولمرت هذا يتعارض تماما مع ما قاله في مقابلة مع وكالة أنباء أجنبية في ذروة الحرب، عندما قال حينئذ إن إنجازات الجيش الإسرائيلي في الحرب ستساعد على تطبيق الانطواء.
هناك شواهد كثيرة على "تغيير الاتجاه" في الداخل الإسرائيلي، وعلى الإخفاقات التي مُني بها العدوان. لكن التغيير الذي طرأ على موقف أولمرت يشكل أبلغ دليل سياسي على الإخفاق الإسرائيلي، الذي جعل رئيس الوزراء يُغير اتجاه برنامجه السياسي الذي انتُخب على أساسه والذي ورثه عن سلفه أرييل شارون.
يطرح تغيير الاتجاه هذا أسئلة كثيرة حول جدوى بقاء أولمرت في الحكم، ذلك أن مشكلته تكمن الآن في أنه بات، بتنازله عن خطة الانطواء، بلا برنامج سياسي داخلي وبلا جدول أعمال سياسي خارجي.