اشتدت حرارة حمّى لجان التحقيق التي أصابت إسرائيل في أعقاب الحرب على لبنان وما أسفرت عنه من إخفاقات على المستويات كافة، وانقسمت المواقف بين مطالب بها على أوسع مدى، ومتهرب منها عبر الالتفاف عليها بلجان محدودة الصلاحيات والمهام، كما هي حال أولمرت وبيرتس.
محمد بدير

عقدت لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، أمس، جلسة خُصصت لإجراء مباحثات أولية من اجل تحديد الطريقة التي يجب فيها فحص الإخفاقات التي ظهرت خلال العدوان على لبنان.
وتخلل الجلسة سجالات حادة بين أعضائها الذين ينتمون إلى أحزاب مختلفة، إلا أن خط الانقسام الذي ساد وضع أعضاء حزب كاديما، بمن فيهم رئيس اللجنة، تساحي هانغبي، في قبالة بقية الأعضاء الذين لقيت مطالبتهم بتشكيل لجنة تحقيق رسمية رفضاً منه بدون تبرير أسباب جوهرية.
وقالت عضو الكنيست ليمور ليفنات (الليكود)، قبل خروجها الاحتجاجي من الجلسة، إن «كل الأعضاء باستثناء هنغبي يؤيدون إقامة لجنة تحقيق رسمية، وعلى لجنة الخارجية والأمن استخلاص العبر وإعداد الأجهزة الأمنية للمواجهات المقبلة».
كما رأى يوفال شطاينتس (الليكود) أنه «لا مناص من تشكيل لجنة تحقيق، وعلى التحقيق أن يكون جدياً بهذا الصدد».
وفيما اقترح عضو الكنيست افرايم سنيه (العمل) تشكيل أربع لجان من أجل التحقيق في الأحداث على أن تتناول كل لجنة موضوعاً منفرداً للتعمق فيه، رأى زميله في الحزب، متان فلنائي، أن الأزمة الحالية التي تواجه إسرائيل شبيهة بأزمة «يوم الغفران» على مستوى سلوك الجيش والاستخبارات، مستنداً إلى هذه المقارنة للمطالبة باستنفاد التحقيق في المواضيع كافة حتى النهاية.
ولم تسلم اللجنة نفسها من الانتقادات التي وجدتها أيضاً مسؤولة في بعض الأوجه عن الإخفاقات التي تكشف عنها العدوان، إذ أوضح أحد أعضائها أن «العلل الكثيرة التي ظهرت في الحرب تعود أيضاً إلى كيفية إدارة لجنة الخارجية والأمن، ولجانها الثانوية التي تتولى مسؤوليات كثيرة مثل مبنى القوات وجهوزيتها، وجهوزية قوات الاحتياط والجبهة الداخلية».
وأصبح واضحاً، بحسب مراقبين، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، إيهود أولمرت، ووزير دفاعه، عمير بيرتس، يفضلان أي شكل من لجان «الفحص» التي يستطيعان التحكم بتركيبة أعضائها وآليات عملها وحدود صلاحياتها، فضلاً عن سرية مداولاتها ونتائج تقريرها النهائي، على لجنة تحقيق رسمية يكونان مجردين من أي تأثير عليها في حال اتخاذ القرار بتأليفها، بفعل تحديد القانون سلفاً لصلاحياتها وآليات عملها من جهة، ولأنها تكون مستقلة تحت إشراف رئيس المحكمة العليا من جهة أخرى.
ومن المعلوم أن استنتاجات وتوصيات لجان التحقيق الرسمية تكون ذات مفاعيل إلزامية من الناحية العملية، وهذا ما حصل في حالة لجنتي «أغرانات» و «كاهانا» في أعقاب حربي تشرين 1973 واجتياح لبنان للعام 1982 عندما أفضت توصيات اللجنتين إلى إطاحة رئيس أركان الجيش في الحالة الأولى ووزير الدفاع، أرييل شارون، في الحالة الثانية.
وهذا ما يفسر سعي كل من أولمرت وبيرتس إلى قطع الطريق على تأليف لجنة كهذه، خلال استباق الأمور، سواء عبر الحديث عن تشكيل لجنة «فحص» عهد أولمرت إلى المستشار القانوني للحكومة دراسة سبل إنشائها، أو عبر تشكيل لجنة التحقيق الخاصة التي أمر بيرتس بإقامتها على أن تقتصر مهمتها على التحقيق في كيفية إدارة الجيش للحرب، من دون التدخل في أداء الحكومة خلالها.
من جهة أخرى، قال مفتش الدولة في إسرائيل، ميخا لندنشتراوس، أمس إنه قرر التحقيق في الحرب من جوانبها كافة. وأضاف لندنشتراوس، في بيان أصدره مكتبه، أن الفحص سيطال المستويين السياسي والعسكري وستُستخلص العبر وتصدر توصيات بهذا الشأن. وأفاد البيان بأن المكتب باشر جمع المعلومات والوثائق للتحقيق في طريقة إدارة الحرب الأخيرة على لبنان وفي وضعية الجبهة الداخلية خلال الحرب. ومعروف أن تقارير مفتش الدولة في إسرائيل لا تتمتع بأي صفة إلزامية، إلا أنها عادة ما تترك أثراً معنوياً على الساحة السياسية والحزبية. ويرى مراقبون أن قرار مفتش الدولة مباشرة مكتبه بالتحقيق بإخفاقات الحرب من شأنه أن يحرج أولمرت وبيرتس وحالوتس.
وأفادت وسائل الإعلام الإسرائيلية أمس أن مكتب أولمرت رفض طلباً تقدمت به إحدى جمعيات حقوق الإنسان لإقامة لجنة تحقيق رسمية للتحقيق في ملابسات مجزرة قانا.