علي حيدر
لم يكد وقف إطلاق النار، بين إسرائيل وحزب الله، يدخل حيز التنفيذ حتى بدأت المواقف والتقديرات الإسرائيلية تتوالى في الحديث عن جولة عسكرية أخرى في العدوان على لبنان، حتى وصل بعضها إلى تحديد مدى زمني لها بلغ أشهراً أو أسابيع. ما حقيقة هذه المواقف والتقديرات؟ ما مدى جديتها؟ وهل نحن على عتبة جولة اخرى؟
أوجدت طبيعة النتائج التي انتهت إليها الحرب على لبنان، من جهة عدم تحقيق الأهداف الابتدائية (نزع سلاح حزب الله وتفكيكه وإعادة الجنديين الأسيرين من دون قيد أو شرط) أو البديلة (سحب قوة حزب الله الصاروخية لما وراء نهر الليطاني)، جواً سياسياً وشعبياً مأزوماً وموسوماً بالهزيمة دفع بالمسؤولين الإسرائيليين إلى البحث عن الأسباب الحقيقية لما جرى، ومحاولة كل منهم إبعاد التهمة عن نفسه ومؤسسته.
أمام هذا الواقع غير المحتمل من قبل اسرائيل، كان من الطبيعي اللجوء الى محاولة التخفيف من حدته عبر تظهيره بأنه ــ في اسوأ الاحوال ــ خسارة معركة من ضمن حرب ما زالت مستمرة. وعليه، فإن الآفاق لا تزال مفتوحة أمام المؤسسة الإسرائيلية لاستخلاص العبر ومحاولة إعادة تشكيل الواقع عبر الاستفادة من التجربة السابقة «بإخفاقاتها وإنجازاتها»، مع التأكيد على ان الجيش الاسرائيلي يتعامل مع كل حالات الفشل أو الإخفاق التي يواجهها وفقاً لهذه القاعدة، أي بمعنى الاستفادة، بأقصى ما يمكن، مما جرى والإعداد الفعلي لجولة أخرى قد تتوافر لها الظروف السياسية المحلية (الإسرائيلية) والإقليمية والدولية.
وبالتالي، إن تعامل الجيش الإسرائيلي يشكل مسلكاً مهنياً ليس فيه ما يُفاجئ، وإظهاره إلى العلن فيه العديد من الإيجابيات الاجتماعية الإسرائيلية، وخاصة أنه ينظر إلى قوة حزب الله كمصدر تهديد استراتيجي ثبت بالتجربة أنه كلما مر الزمن تعاظم. وتعززت هذه الرؤية بعد فشل كل الرهانات السياسية التي استندت الى القرار 1559والمسار السياسي الذي اعقبه على الساحة اللبنانية.
ما تقدم ليس سوى محاولة لرسم الإطار الطبيعي للتعامل الإسرائيلي مع نتائج الحرب على لبنان. لكنه قد لا يمثل صورة كاملة عن الواقع؛ إذ إن الفشل الإسرائيلي في «المعالجة الجذرية لخطر حزب الله» وعدم استكمال بنود القرار 1701، وخاصة في ما يتعلق بتدفق السلاح إلى المقاومة ورفض حزب الله (وتكيف الحكومة اللبنانية مع هذا الموقف) لنقل قدراته الصاروخية إلى شمالي نهر الليطاني.
من هنا، فإن الجهود والضغوط الاسرائيلية باتجاه بلورة آلية لتنفيذ ما تقدم ستتواصل، وقد تترجم خطوات أمنية أو عسكرية محدودة. ويبدو أن هناك رؤية إسرائيلية مفادها بأن حزب الله استطاع خلال السنوات الست السابقة أن يبني قوته ويراكمها بفعل الانهماك الإسرائيلي وأولوية مواجهة الخطر الفلسطيني في الداخل بعد انطلاقة الانتفاضة في خريف العام 2000.
اما ما يحكى عن إمكان أن تشن إسرائيل، في المدى المنظور، حرباً واسعة على لبنان، فهو أمر مبالغ به لأن الأسباب التي منعت إسرائيل من تحقيق أهدافها في الجولة السابقة ما زالت ماثلة أمامها، والجو الاسرائيلي الداخلي لا يزال واقعاً تحت صدمة الفشل والضربات التي تلقاها.