محمد بدير
"إن الوظيفة المركزية الذي ستشغل الحكومة هي تطوير الشمال باتجاه آفاق جديدة"، هذا ما أعلنه رئيس الوزراء الإسرائيلي، إيهود أولمرت، خلال جولته الثانية أول من أمس على شمال فلسطين المحتلة في غضون أقل من أسبوع.
لا شك في أن أولمرت، الذي أعلن خلال زيارته نيته ضخ عشرة مليارات شيكل (2.2 مليار دولار) في هذه المنطقة، والذي يخطط لزيارتين أخريين إليها الأسبوع المقبل، يحاول من خلال هذا "الاندفاع الاسترضائي" نحو المنطقة التي كانت ساحة حرب لأكثر من شهر، أن يكفّر عن خطيئة هجران أجهزة الدولة لها إبان المواجهة. إلا أنه ما من شك أيضاً في أن من بين الدوافع الأقوى لتحرك أولمرت هذا، رهانٌ، قد يكون يائساً، على أن يُحدث تحولاً ما في وضعه السياسي المتآكل باطراد في أعقاب الحرب.
نظرة خاطفة تكفي للإطلال على هذا الوضع: استطلاعات رأي تظهر نتائجها انخفاضاً فاضحاً للثقة بالحكومة، وسيف مسلط للجنة تحقيق رسمية يُتوقع أن تطيح بأركان قيادة الحرب، في ما لو شكلت، وحزب كاديما في حالة انعدام للوزن تهدد بفرط عقده غير المنتظم أساساً، والائتلاف الحكومي على شفير أزمة لا يُطمئن الوضع الداخلي لحزب العمل بإمكان حلها، وحركات الاحتجاج الشعبي المتسعة باطراد والمطالبة باستقالة الحكومة، أو في أحسن الأحوال، محاسبتها.
ما يفعله أولمرت الآن هو أشبه ما يكون بحملة انتخابية خارج الموسم، هدفها إنقاذ مستقبله السياسي، والإبقاء على ما أمكن من رصيده الشعبي. لكن المشلكة الحقيقية تكمن في افتقاده ـــ أو بعبارة أدق، فقدانه ـــ البرنامج السياسي الذي يمنحه مرتكزاً "سجالياً" في ساحة صراع البقاء الشعبي والرسمي.
فإذا كان مشروع "الانطواء" هو البرنامج السياسي الانتخابي لحزب كاديما، الذي حصل على الأغلبية البرلمانية بموجبه، فقد أطاحت حرب لبنان، والتطورات في غزة، بهذا المشروع. واستُبدلت أجندة "الانطواء" ـــ حجز الزاوية في مبررات البناء الحكومي الحالي ـــ بأجندة "ترميم الشمال"، مع تحولها إلى "وظيفة الحكومة المركزية"، بحسب تعبير أولمرت.
بالانتقال إلى حزب العمل، من المعلوم أنه جاء إلى الحكم بأجندة اجتماعية، كان مطلوباً أن تملأ فراغ غياب أجندة سياسية خاصة. دفع العدوان على لبنان بهذا الحزب إلى الوقوع في مفارقة من المؤكد أنه لن يخرج منها سليماً، فالحزب الآن مدعو إلى المصادقة على تقليصات في موازنات وزارات اجتماعية لتغطية مصاريف الحرب والخسائر الاقتصادية التي خلفتها. ويرجح أن يضطر "العمل" إلى المصادقة في نهاية المطاف، وإن لم يكن معلوماً مآل حركة التمرد التي تتفاعل في داخله، وتأثيراتها متوسطة المدى على هذا الصعيد.
إن ما يكشف عنه المشهد الإسرائيلي الراهن هو خلاصة مفادها أن العدوان على لبنان نسف، وربما إلى غير رجعة، الأسس البرامجية لحزبي الائتلاف الحاكم الرئيسي في إسرائيل. ما يعنيه ذلك هو أن الحكومة الإسرائيلية تحولت إلى حكومة بلا مشروع، وفي دولة "ديموقراطية"، لا مجازفة في المراهنة على أن سقوط حكومة هذه حالها هو مسألة وقت فقط.